القسم السادس – الباب الأول
الفصل الخامس هندسة منظومة الدفاع الوطني
الجيش السوري الجديد
مدخل تأسيسي
لم يكن الجيش السوري منذ الاستقلال مجرد مؤسسة عسكرية، بل كان انعكاسًا لصراعات السلطة والمجتمع والدولة.
لقد تم تسييس المؤسسة العسكرية مبكرًا، واستخدامها كأداة للوصول إلى الحكم أو الحفاظ عليه، حتى تحولت إلى كيان مغلق بعيد عن الوظيفة الوطنية الحقيقية التي تأسست من أجلها الجيوش: حماية السيادة والشعب والدستور.
وفي ضوء مشروع النهضة وبناء الدولة السورية الجديدة، يصبح من الضروري إعادة هندسة الجيش من الجذور، بنيةً وعقيدةً ووظيفةً وعلاقةً بالمجتمع، ليعود جيشًا للوطن، لا جيشًا للسلطة.
أولًا: إعادة تعريف وظيفة الجيش الوطني
يجب أن يُعاد تعريف وظيفة الجيش السوري بشكل قاطع ودستوري على النحو التالي:
حماية حدود الدولة ووحدة أراضيها
بما في ذلك مواجهة أي عدوان خارجي، وضمان سيادة سوريا الكاملة.
الدفاع عن النظام الدستوري الديمقراطي
لا حماية أشخاص أو أحزاب أو جماعات بعينها.
الامتناع التام عن التدخل في السياسة
والخضوع الكامل للسلطة المدنية المنتخبة.
المساهمة في جهود الإغاثة الوطنية أثناء الكوارث الطبيعية
ضمن حدود وظائفه ودون استغلال سياسي أو سلطوي.
عدم ممارسة أي دور أمني داخلي دائم
إلا في حالات الطوارئ القصوى التي يحددها الدستور بدقة شديدة.
ثانيًا: المبادئ الحاكمة لبناء الجيش الجديد
الولاء للوطن والدستور فقط
وليس لأي قائد أو حزب أو طائفة أو أيديولوجيا.
الاحترافية العسكرية الكاملة
عبر تبني أعلى معايير التدريب والانضباط المهني.
الابتعاد عن السياسة والدين
باعتبار الجيش مؤسسة وطنية محايدة تمامًا.
التنوع الوطني داخل الجيش
بما يعكس التركيبة المجتمعية السورية بأكملها، دون تمييز ديني أو طائفي أو مناطقي.
الرقابة المدنية الديمقراطية على القوات المسلحة
عبر مؤسسات منتخبة وخاضعة للدستور والقانون.
ثالثًا: إعادة هيكلة الجيش السوري
إنشاء هيئة أركان موحدة
تضم جميع صنوف القوات المسلحة تحت قيادة مهنية احترافية.
تقليص حجم الجيش تدريجيًا
بما يتناسب مع التهديدات الواقعية وقدرة الدولة على الدعم، مع التركيز على الكفاءة لا الكم.
الدمج المنهجي للفصائل المسلحة المحلية
ضمن قوات نظامية بعد التأهيل العقائدي والعسكري، أو تسريحها وإعادة دمجها مجتمعيًا ضمن برامج متكاملة.
إنهاء الازدواجية العسكرية
عبر تفكيك جميع الميليشيات، والكتائب الخاصة، والقوات غير النظامية التابعة لأي جهة كانت.
إصلاح سلك الضباط
عبر مراجعة شاملة للمراتب القيادية، وإبعاد جميع المتورطين بانتهاكات، وترقية الكفاءات الوطنية النزيهة.
رابعًا: العقيدة القتالية الجديدة
يجب أن تتأسس عقيدة الجيش السوري الجديد على:
التركيز على الدفاع الوطني لا المغامرات الإقليمية
مع تجريم دستوري لأي تدخل عسكري خارج الحدود دون تفويض دستوري واضح.
الارتباط بالمصالح القومية العليا للشعب السوري
لا بمصالح الأنظمة أو التحالفات الخارجية.
حظر استهداف المدنيين تحت أي ظرف
وتجريم أوامر القصف العشوائي أو العمليات الانتقامية.
اعتبار الحروب ضد الإرهاب جزءًا من الدفاع الوطني
ولكن وفق تعريف دقيق ومحترم لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
خامسًا: التكوين البشري للجيش الجديد
خدمة إلزامية وطنية متوازنة
تضمن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري، مع تطوير نظام الخدمة الاحترافية.
برامج تأهيل ثقافي وحقوقي
تزرع قيم المواطنة والولاء للدستور في نفوس المجندين والضباط.
تحديث نظام التعيينات والترقيات
ليقوم على الكفاءة والأهلية والجدارة، بعيدًا عن المحسوبيات السياسية أو الطائفية.
تشجيع الأبحاث العسكرية والعلمية
بما يطوّر من قدرات الجيش الوطني على الابتكار ومواكبة التحديات التكنولوجية الحديثة.
سادسًا: منظومة الدفاع الوطني الشامل
إلى جانب الجيش، يجب بناء منظومة دفاع وطني شاملة تقوم على:
مأسسة الدفاع المدني
كمكون داعم للجيش أثناء الطوارئ والكوارث.
تأسيس احتياطي مدني وعسكري تدريجي
يقوم على تدريبات دورية للمواطنين الراغبين بالانخراط، بحيث يشكلون قوة رديفة تحت سلطة مدنية.
تنظيم الصناعات الدفاعية الوطنية
بطريقة شفافة وخاضعة للرقابة الدستورية، لضمان استقلالية قرار الدفاع الوطني وعدم الارتهان للخارج.
سابعًا: تحديات إعادة بناء الجيش وآليات التعامل معها
تفكيك الولاءات الشخصية والطائفية
عبر إعادة بناء منظومة الولاء الوطني على أسس الدستور والهوية الوطنية السورية.
التعامل مع الإرث الثقيل للانتهاكات والجرائم
عبر محاكمات عادلة وشفافة، وإصدار عفو مشروط بالبراءة أو التوبة الواضحة في بعض الحالات، حفاظًا على السلم الأهلي.
إعادة بناء الثقة المجتمعية بالجيش
من خلال الالتزام الصارم بالحياد السياسي وحماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان.
تأمين الموارد المالية اللازمة لإعادة بناء الجيش
ضمن أولويات استراتيجية وطنية لا تثقل كاهل الاقتصاد، ولا تربط الجيش بالارتهانات الأجنبية.
خاتمة الفصل
هندسة الجيش الوطني السوري ليست عملية تقنية فحسب، بل مشروع وطني بامتياز.
إنها معركة تأسيسية لإعادة تعريف علاقة القوة بالحق، والعسكر بالمجتمع، والسيادة بالشعب.
فلا مستقبل لسوريا دون جيش يحميها، ولا حماية دون جيش وطني محترف، ملتزم بالدستور، خادم للشعب، وقادر على الدفاع عن الحلم السوري الكبير: الحرية، والسيادة، والنهضة.