web analytics
القسم الثاني – الباب الأول

الفصل الخامس الدين في مشروع النهضة

بين الحرية والحياد والتوظيف

مدخل فلسفي–اجتماعي:

ليس للدين أن يكون خصمًا،
ولا حاكمًا،
ولا مُرغِمًا،
ولا مزاحمًا للمواطنة.

بل يجب أن يكون، في أي مشروع نهضة حقيقية،
فضاءً أخلاقيًا حرًا، يُلهم الضمير ولا يفرض على العقل،
يحيا في القلوب لا في القرارات،
ويُصان في التنوع، لا يُحتكر في التأويل.

في سوريا، كان الدين دائمًا حاضرًا… لكنه لم يكن دائمًا حرًّا.
تنقّل بين التوظيف، والمطاردة، والاحتواء،
واستُخدم تارة كذريعة للقتل،
وطورًا كشرعية للبقاء،
وأحيانًا كراية للثورة… ثم كسيف لذبحها.

في هذا الفصل، نعيد التفكير في الدين لا كعقيدة،
بل كمجال وجودي–اجتماعي–سياسي،
وجب تحريره… لا تسليمه،
وإشراكه أخلاقيًا… لا استثماره سلطويًا.

أولًا: أزمة الدين في التجربة السورية – من التقديس إلى التشويه

لم يكن الدين يومًا أزمة في ذاته،
بل تحوّل إلى أزمة حين فُرض عليه:

  • أن يكون أداة حكم،
  • أو أن يُمنَع من الوجود،
  • أو أن يُختزل في جماعة،
  • أو يُنصّب على عرش الحقيقة.

في سوريا:

  • فُرضت على المؤسسة الدينية الرسمية وصاية أمنية،
  • وسُيّست الفتاوى،
  • وفُرض خطاب موالٍ بعناوين دينية،
  • وصُوّر الحاكم كـ”ظل الله”،
  • ثم في المقابل… برزت تيارات راديكالية حولت الدين إلى غطاء للهيمنة والقتل،
  • وصار الاعتدال متّهمًا،
  • والاجتهاد مُلاحَقًا،
  • والمُفكّر الديني كافرًا محتملًا… في نظر الطرفين.

وهكذا، تحوّل الدين من محرّك للمعنى إلى مساحة صراع.

ثانيًا: الدروس المستخلصة من التجربة – ما الذي يجب تجاوزه؟

  1. الدين حين يُربَط بالسلطة… يفقد رسالته.
  2. حين يُجرَّد من حريته… يتحوّل إلى ديكور أو فتنة.
  3. حين يُمنَع الاجتهاد… ينتصر الجهل، أو يُستورد التطرف.
  4. حين يُسيَّج بالمقدّس السياسي… يتشوّه المقدّس الديني.
  5. وحين يحتكر الحقيقة… يتحوّل من ضوء إلى نار.

لذلك، فكل نهضة حقيقية لا تبدأ بتحديد ما على الدين أن يفعله،
بل بضمان ما يجب أن لا يُفعل باسم الدين.

ثالثًا: فلسفة الحياد الديني – الدولة كضامن، لا كراعٍ، ولا كخصم

نحن لا ندعو إلى دولة معادية للدين،
ولا إلى دولة دينية،
بل إلى دولة تتعامل مع الدين كحق فردي وجماعي، لا كهوية سلطوية.

في الدولة النهضوية:

  • الدين يُصان بالحرية،
  • لا يُختزل في مؤسسة تُدار من فوق،
  • تُحمى التعددية،
  • ولا تُمنح امتيازات لخطاب ديني دون غيره،
  • ويُسمح للاجتهاد،
  • ولا يُحاكم الإيمان إلا إذا تحوّل إلى عدوان على الآخرين.

بهذا، تكون الدولة ضامنة للتنوع، لا راعية لمذهب، ولا محتكِرة للفتوى.

رابعًا: الدين كرافعة أخلاقية – وليس كسلطة أو مشروع حكم

في نهضتنا المقترحة،
نُعيد الدين إلى مكانه الطبيعي: الضمير.

  • مصدر للقيم،
  • محفّز للصدق،
  • ملهم للعدل،
  • دافع للعمل،
  • لا مشروع سلطة،
  • ولا جهاز تعبئة.

ولهذا، نحتاج إلى:

  • تحصين الفضاء الديني من التوظيف السياسي أو المالي.
  • فتح الباب أمام التجديد والاجتهاد.
  • حماية حرية الاعتقاد والاختلاف.
  • وقف احتكار “التمثيل الشرعي” لأي فئة أو مؤسسة.

خامسًا: العلاقة بين الدين والمجتمع – الإصلاح يبدأ من الوعي، لا من القهر

المجتمع السوري متدين بطبعه،
لكن تدينه لا يجب أن يُستخدم كأداة خوف أو انضباط.

  • بل كرافعة لبناء ثقافة مسؤولة،

لا سلطة خرافية.

  • كمساحة للحوار الأخلاقي،

لا للفتوى السياسية.

  • كقوة مقاومة للفساد،

لا غطاء له.

في مشروع النهضة، الدين يجب أن يكون صوتًا للمستضعفين، لا حليفًا للطغاة.

سادسًا: مواجهة التطرف عبر المعنى لا الردع فقط

لا يمكن محاربة التطرف بالسلاح فقط،
ولا بعزل الفكرة،
بل بفتح باب السؤال، وبناء بدائل معرفية، واستعادة الثقة بالمجال الديني.

ولهذا، نحتاج إلى:

  • مشروع إصلاحي في الخطاب الديني،
  • فقه للواقع، لا فقط للنص،
  • إعادة الثقة بالعلماء المستقلين،
  • وقف شيطنة المختلف، ووقف تحويل الدين إلى معركة هوية. 

خاتمة الفصل: الدين في النهضة – من المقدّس المُستعمل إلى المعنى المُحرَّر

النهضة لا تعني علمنةً قسرية،
ولا إسلاموية انتقامية،
بل تعني تحرير المعنى من التوظيف،
وتحرير الإيمان من السياسة،
وتحرير الدولة من التقديس.

فقط حين يكون الدين حرًّا،
والعقل حيًّا،
والناس آمنين في خياراتهم،
يمكن أن نكون قد بدأنا بناء مجتمع
لا يُفتَن باسم الدين،
ولا يُقصى باسم الحداثة،
بل يتعايش… في حرية، وكرامة، ونور.