web analytics
القسم السادس عشر – الباب الأول

الفصل الأول إعلان الدولة السورية الجديدة

اللحظة السيادية الحاسمة

مقدمة الفصل

في كل مشروع تحوّلي، هناك لحظة لا يُبنى فيها شيء جديد فحسب، بل يُنقَض ما كان قائمًا بكل معانيه السياسية والأخلاقية.
وفي الحالة السورية، لا تكون هذه اللحظة مجرد إسقاط لنظام، بل إعلان ولادة دولة بمعنى جديد، وروح جديدة، وعقد مختلف.

فما بين دولة ورثت الاستبداد جيلاً بعد جيل، وشعب تحمّل من التشويه ما لم يتحمله شعب آخر، تأتي هذه اللحظة:
لحظة إعلان الدولة السورية الجديدة.

هذا الإعلان ليس بيانا سياسيا عابرًا، بل نقطة انعطاف في التاريخ السوري، يُؤسّس فيه السوريون كيانهم السيادي الجديد استنادًا إلى الميثاق الذي صاغوه بوعي، وبثمن باهظ من الدم والحلم والتضحيات.

أولًا: تعريف الدولة الجديدة بوصفها كيانًا سياديًا تعاقديًا

الدولة السورية الجديدة لا تُعلن من فوق، بل من داخل الشعب.
ليست امتدادًا للنظام، ولا بديلًا فصائليًا، ولا تقاسمًا جغرافيًا.
بل هي تجسيد لعقد جديد يقوم على المبادئ التالية:

  • الشعب هو المصدر الحصري للشرعية، وليس الحزب، أو الطائفة، أو المؤسسة الأمنية، أو الخارج.
  • الميثاق الوطني هو الوثيقة المرجعية الأعلى، تسبق الدستور وتؤطّره، وتشكّل حجر الأساس لكل سلطة لاحقة.
  • السيادة هي التزام بحماية الكرامة والعدالة والتمثيل، لا غطاء للتسلط أو الاستئثار أو الغلبة.

بهذا المعنى، الدولة هنا ليست إعلان سلطة، بل إعلان قيمة ومعنى وانتماء.

ثانيًا: لحظة القطيعة مع الحقبة السابقة

إن هذا الإعلان يُمثّل قطيعة تاريخية كاملة مع ما سبق، ويقوم على التالي:

  • إسقاط شرعية كل من حكم سوريا عبر منطق القهر والغلبة والاستثناء، واعتبار كل القوانين والمؤسسات التي نشأت على هذا الأساس منقوضة دستوريًا وأخلاقيًا.
  • إعلان بطلان كل أشكال التمثيل الزائف التي فُرضت باسم الانتخاب أو الحرب أو المصالح الدولية.
  • التأسيس لمرحلة سياسية جديدة لا تستند إلى الانتقام، بل إلى إعادة بناء التمثيل السياسي من الجذور، على قاعدة الكفاءة والعدالة والمشاركة.

ثالثًا: الاعتراف بالميثاق كمصدر سيادة عليا

في هذا الإعلان، يُثبت أن الميثاق ليس ملحقًا قانونيًا، بل:

  • هو المرجع الأعلى لأي نص لاحق، وأي سياسة مستقبلية.
  • يعلو على الدستور والقانون، لأنه يُجسّد العقد التأسيسي العميق بين الدولة والشعب.
  • لا يجوز تعطيله أو تأجيله أو تهميشه تحت أي ذريعة ظرفية أو سياسية.

وبذلك، فإن إعلان الدولة لا يبدأ بنص دستوري، بل ببيان سيادي يُعلن فيه المجتمع نفسه، ويحدد لنفسه طبيعة دولته وحدود سلطاتها، وواجباتها، وسبل مراقبتها.

رابعًا: الآثار القانونية والسياسية الفورية لهذا الإعلان

  1. حلّ جميع المؤسسات السلطوية القديمة أو اعتبارها غير شرعية، بما في ذلك: الأجهزة الأمنية، الحزب الحاكم، المجلس التشريعي السابق، وأي هيئة تستمد شرعيتها من النظام الساقط.
  2. تثبيت المجلس الوطني للنهضة كسلطة سيادية انتقالية عليا، تمثّل الشعب وتحمي الميثاق وتوجّه المسار التأسيسي.
  3. إعلان بدء المرحلة الانتقالية وفق الجدول الذي تم التوافق عليه مسبقًا في خارطة التدرج الوطني.
  4. دعوة المجتمع الدولي إلى الاعتراف بهذه الدولة بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للسوريين، لا استنادًا إلى التمثيل العسكري، بل استنادًا إلى الميثاق وشرعية التأسيس الشعبي.

خاتمة الفصل

هنا، تبدأ الدولة الجديدة.
لا كأرض فقط، بل كفكرة. لا كسلطة، بل كمعنى.
لا كواجهة سياسية، بل كمضمون أخلاقي وقانوني واجتماعي يَعدُ السوريين – لأول مرة – بأن الكرامة ليست شعارًا، بل عقدًا، وأن الحكم ليس ميراثًا، بل خدمة مشروطة.
بهذا الإعلان، ننتقل من الدولة–القدر إلى الدولة–الحق.