القسم الرابع عشر – الباب الأول
الفصل الأول آليات المتابعة المؤسسية
من الجداول الزمنية إلى التقييم المرحلي
مقدمة الفصل
إن المشروع النهضوي لا يمكن أن يُقاس بوعوده ونصوصه فقط، بل بمدى انتظامه في التنفيذ، وقدرته على المتابعة الدقيقة لما يتم إنجازه، واكتشاف مواطن الخلل والتأخير في الوقت المناسب. ولهذا، فإن آليات المتابعة المؤسسية تشكّل العمود الفقري في ضبط الفعل التنفيذي، وتحديد ما إذا كانت السياسات الموضوعة تسير وفق الجداول الزمنية، وفي أي موضع من المسار يجب التدخل أو التعديل.
لقد عانت الدولة السورية لسنوات من فوضى في التنفيذ، وتلاعب بالجداول الزمنية، وغياب أي محاسبة جدّية للجهات المتقاعسة، مما أدى إلى ترسيخ ثقافة الإفلات من التقييم. في هذا السياق، تأتي هذه الآليات لا كعنصر تقني فحسب، بل كممارسة سيادية تعيد هيكلة وظيفة الدولة نفسها بوصفها مسؤولة عن كل ما يُنفّذ باسمها.
أولًا: مفهوم المتابعة المؤسسية في المشروع السيادي
المتابعة المؤسسية ليست وظيفة ثانوية ملحقة بالتنفيذ، بل هي امتداد طبيعي لمسؤولية الدولة عن نتائج قراراتها. وهي تشمل:
متابعة ميدانية دورية لجميع المشاريع والمبادرات العامة.
مراجعة توافق الأداء التنفيذي مع الأهداف والسياسات الأصلية.
قياس التقدم الزمني والفني مقارنة بالخطط المعتمدة.
تقديم تقارير دورية للرأي العام والهيئات الرقابية.
هذا المفهوم يُعيد تعريف الوظيفة العامة بوصفها خاضعة للمراقبة، ويُلغي الثقافة السلطوية التي اعتبرت المناصب التنفيذية مواقع امتياز لا تُسأل ولا تُحاسب.
ثانيًا: الجداول الزمنية كأداة ضبط لا مجرد مخطط
واحدة من أدوات المتابعة الأساسية هي الجداول الزمنية التنفيذية. غير أن هذه الجداول لا تُعتبر أدوات شكلية، بل هي:
مرجع رقابي يُستخدم لتقييم الالتزام وتحديد التأخير.
أداة تضمن ربط كل مرحلة من مراحل التنفيذ بنتائج زمنية محددة.
وسيلة لربط الأداء الفردي والمؤسساتي بالمكافأة أو المساءلة.
يجب أن تكون كل خطة تنفيذية مرفقة بجداول تفصيلية معلنة للعموم، تتيح لكل مواطن أو مؤسسة رقابية معرفة ما يجب أن يتم، ومتى.
ثالثًا: التقييم المرحلي – مراجعة الأداء قبل فوات الأوان
ليس كافيًا أن ننتظر نهاية المشروع للحكم على نجاحه. لهذا، تعتمد المنظومة السيادية على التقييم المرحلي، الذي يشمل:
تقييم ربعي أو نصف سنوي للمشاريع الكبرى، تقنيًا وإداريًا.
مقارنة النتائج المرحلية بالأهداف المحددة وتبرير الانحرافات.
تعديل السياسات في ضوء المعطيات الواقعية بدل الإصرار الأعمى على مسارات ثبت فشلها.
هذا التقييم لا يجب أن يكون مركزيًا فقط، بل متاحًا على المستويات المحلية، لتتحول كل وحدة إدارية إلى نقطة مراقبة وتفاعل مستمر مع النتائج.
رابعًا: وحدات المتابعة في كل مؤسسة – من البيروقراطية إلى المسؤولية
يُفترض أن يتم إنشاء وحدات متابعة مستقلة نسبيًا داخل كل وزارة ومؤسسة عامة، تتمتع بصلاحيات:
التدقيق على مراحل التنفيذ ضمن المؤسسة.
إعداد تقارير شهرية وسنوية تُرفع إلى هيئة مركزية عليا.
التنسيق مع الهيئات الرقابية والتشريعية لتوحيد المعلومة وتحقيق المساءلة.
هذه الوحدات يجب أن تُبنى وفق معايير مهنية، بعيدًا عن المحسوبيات، وتُخضع لمسارات تقييم محايدة، كي لا تتحول إلى أدوات تبرير للخلل بدل فضحه.
خامسًا: الهيئة المركزية للمتابعة والتقييم – السيادة بالرقابة
تُنشأ ضمن هيكل الدولة هيئة مستقلة عليا للمتابعة والتقييم، ترتبط بمجلس النهضة الوطني، وتتمتع بالصلاحيات التالية:
التنسيق بين جميع وحدات المتابعة في الوزارات والجهات العامة.
إعداد تقارير دورية شاملة تُعرض على البرلمان وتُنشر للرأي العام.
إصدار تنبيهات مبكرة حول مؤشرات الفشل في السياسات الكبرى.
اقتراح تعديلات زمنية أو تنظيمية أو قانونية بناء على التقييمات الميدانية.
هذه الهيئة لا تخضع لأي وزارة تنفيذية، بل تعمل بوصفها حارسًا مؤسسيًا للنهج السيادي في الإنجاز.
خاتمة الفصل
المتابعة المؤسسية ليست مجرد وظيفة تنظيمية، بل ممارسة سياسية–أخلاقية في صلب مشروع النهضة. إنها إعلان أن الدولة الجديدة لا تكتفي بالقول، بل تقيّم كل فعل وتُخضعه للمراجعة، وأن السيادة لا تُمارس فقط في رسم السياسات، بل في القدرة على التأكد من تنفيذها بشكل فعّال وعادل.