القسم السادس عشر الباب الأول
الفصل الثالث آليات إدارة الدولة
من تثبيت المؤسسات إلى تنظيم الأداء السيادي
مقدمة الفصل
بمجرد إعلان الدولة الجديدة وتفعيل الإطار الدستوري الانتقالي، تبدأ التحديات الفعلية في تحويل النصوص إلى أفعال، والمبادئ إلى أجهزة، والشرعية إلى أداء ملموس
.ولا يُقصد بإدارة الدولة هنا مجرد تشغيل الوزارات، بل تأسيس منظومة سيادية متكاملة تتعامل مع واقع ما بعد الانهيار، وتمنع عودة التسلّط، وتؤسس لإدارة قائمة على الكفاءة، والعدالة، والتمثيل، والمساءلة
هذا الفصل يُحدّد الخطوات التنظيمية والمؤسساتية العاجلة، بوصفها بنية تفعيل السيادة الجديدة، وضمانة حسن الأداء، ومؤشرًا على صدق الالتزام.
أولًا: الحكومة الانتقالية – التشكيل والوظيفة والمحاسبة
- تشكيل الحكومة:
- يتم عبر آلية توافقية بين مكونات المجلس الوطني للنهضة، والممثلين السياسيين والاجتماعيين الفاعلين.
- يشترط في المرشحين: النزاهة، الكفاءة، التاريخ غير المرتبط بالمنظومة القديمة، والالتزام العلني بالميثاق.
- وظيفة الحكومة:
- إدارة الملفات السيادية العاجلة: الأمن، العدالة، الخدمات، الاقتصاد الطارئ، والعلاقات الخارجية.
- لا يجوز لها تعديل أي من بنود الميثاق، أو تغيير البنية الانتقالية، أو تمرير اتفاقات خارجية طويلة الأمد.
- آليات المحاسبة:
- تُعرض الحكومة على المجلس الوطني للنهضة خلال كل 6 أشهر لتجديد الثقة.
- يحق للمجتمع المدني ومؤسسات الرقابة الطعن في أدائها أمام الهيئة القضائية العليا.
- تقارير الإنجاز تُنشر علنًا كل 3 أشهر ويُبنى عليها قرار الاستمرار أو التعديل.
ثانيًا: الإدارة العامة – استعادة الوظيفة لا السلطة
- تجميد بنية الولاء:
- إنهاء العقود والتعيينات القائمة على المحسوبية السياسية أو الطائفية.
- اعتماد قاعدة “الوظيفة بوصفها خدمة لا امتيازًا”، ويُمنع توارث المناصب أو تثبيتها.
- إعادة تشغيل المؤسسات:
- يُعاد تفعيل المؤسسات الخدمية الأساسية (الصحة، التعليم، المياه، الإدارة المحلية) عبر لجان إشراف محلية–مركزية مشتركة.
- تُطبّق خطة طوارئ تشغيلية تقوم على استدعاء الكفاءات المعطّلة، وتمكين الطاقات الشابة، والاستفادة من الكفاءات العائدة من الشتات.
- إصلاح البنية البيروقراطية:
- إطلاق برنامج وطني لتدقيق الأداء الوظيفي، وإعادة هيكلة الوزارات على قاعدة التكامل والفاعلية لا التضخّم والتكرار.
- رقمنة الأداء الإداري بشكل تدريجي لضمان الشفافية وتيسير الخدمات.
ثالثًا: توزيع السلطات داخل المرحلة الانتقالية
- المجلس الوطني للنهضة:
- يُعدّ السلطة السيادية العليا التي تُراجع، وتُقيّم، وتُوجّه السياسات الكبرى.
- الهيئة القضائية الانتقالية:
- تتولّى الفصل في النزاعات المؤسسية والدستورية، والتحقيق في تجاوزات السلطة، وتُعدّ جهة الطعن العليا في كل ما يخالف الميثاق.
- هيئة الرقابة الشعبية:
- جهاز مستقل مؤلف من شخصيات عامة وفاعلين مدنيين، تُناط به متابعة تنفيذ خطط النهضة، والتحقيق في أي خروقات للشفافية أو التمثيل.
رابعًا: الأولويات التنفيذية في أول 18 شهرًا
- تحقيق الأمن التشاركي المنضبط.
- تشغيل مؤسسات العدالة والرقابة المؤسسية.
- إطلاق خطة الإنعاش الاقتصادي القصير المدى.
- استعادة التعليم العام كفضاء وطني جامع.
- تفعيل اللامركزية الإدارية–التمثيلية في المحافظات.
- تأهيل البنية الإعلامية لضمان حرية التعبير المؤسسية والمجتمعية.
خاتمة الفصل
ليست الدولة مجرد إعلان، بل جهازٌ أخلاقي وإداري وتنفيذي يثبت معناه بفعله اليومي.
وفي مشروع النهضة، لا نبدأ من الصفر، بل نبدأ من الصدق:
صدق الاعتراف بأن المؤسسات تحتاج لإعادة توليد،
وأن السلطة يجب أن تُخضع نفسها للحساب،
وأن إدارة الدولة لا تُختبر بالشعارات، بل بقدرتها على خدمة الناس، لا التحكّم بهم.