web analytics
القسم الثاني عشر – الباب الأول

الفصل الرابع مبادئ السياسة الخارجية في مشروع النهضة

من الشعارات إلى المصالح

تمهيد:

لا تُبنى العقيدة الدبلوماسية دون مبادئ مرجعية تؤطر القرار، وتوجّه الأداء، وتضبط التموضع ضمن إطار سيادي واضح. وقد ظلت السياسة الخارجية في سوريا خلال العقود الماضية أسيرة شعارات مفرغة من الفعل، تتحدث باسم قضايا كبرى دون امتلاك أدواتها، وتعلن الاصطفاف مع “محور المقاومة” دون توازن، وتحمل راية “التحرر الوطني” في حين ترتهن بالكامل لإرادة الخارج.

في مشروع النهضة، لا تُلغى المبادئ، لكنها تُنتزع من قبضة الخطاب وتُعاد إلى حقل الفعل، بوصفها مرجعًا سياديًا حقيقيًا، لا قناعًا خطابيًا. ويقوم هذا التحول على مجموعة من المبادئ الجوهرية التي تُشكّل الإطار القيمي والسياسي للعقيدة الخارجية الجديدة:

أولًا: مبدأ السيادة الوطنية الفعلية على القرار الخارجي

لا معنى لأي سياسة خارجية ما لم تكن نابعة من قرار وطني حر، مستقل، ومُعبّر عن الإرادة العامة.

يُعاد تعريف مفهوم السيادة في السياسة الخارجية بوصفه:

استقلالًا فعليًا لا شكليًا.

حرية في التموضع دون ابتزاز سياسي.

قدرة على رفض الإملاء دون السقوط في العزلة.

السيادة هنا لا تُمارس بالصراخ السياسي، بل بالتخطيط، وبناء الأدوات، ومراكمة أوراق التفاوض.

ثانيًا: مبدأ التمثيل لا الاحتكار – السياسة الخارجية بوصفها تعبيرًا عن الإرادة الوطنية

لم تكن السياسة الخارجية السورية السابقة تعبّر عن الشعب، بل عن مصالح السلطة وحدها.

يُعاد تأسيس السياسة الخارجية بوصفها مِلْكًا عامًا لا شأنًا أمنيًا:

تمثيل حقيقي للمصالح الوطنية.

إخضاع القرار الخارجي للمراقبة المؤسساتية.

بناء بعثات دبلوماسية تعكس وجه الدولة الجديدة، لا وجه السلطة القديمة.

لا يُسمح بتحويل العلاقات الدولية إلى ملفات مغلقة، أو أدوات تمكين شخصي أو أمني.

ثالثًا: مبدأ الواقعية السياسية في قراءة النظام الدولي

تقوم العقيدة الجديدة على إدراك تام لطبيعة العالم المتغيّر:

لا مركز ثابت للقوة.

لا وعود مجانية في السياسة الدولية.

لا شراكات دائمة، بل مصالح متغيرة.

لهذا، فإن السياسة الخارجية يجب أن تُبنى على:

وعي دقيق بتوازنات القوى.

تجنّب الرهانات الطويلة على محاور منهكة أو متراجعة.

قراءة مستمرة لمصالح الحلفاء والخصوم دون انفعال.

رابعًا: مبدأ الانحياز الواعي – لا حياد سلبي ولا ارتهان أعمى

ترفض العقيدة الدبلوماسية الجديدة منطق الاصطفاف الإجباري، لكنها لا تتبنى حيادًا سلبيًا يفرّغ الدولة من حضورها.

الانحياز هنا يُبنى على:

حسابات واضحة للمصلحة الوطنية.

تقدير لأثر كل علاقة خارجية على الداخل السوري.

رفض الانجرار خلف محاور تتناقض مع مشروع السيادة.

الدولة السورية الجديدة لا تقف ضد أحد، لكنها لا تقف مع من يقف ضد شعبها أو يهدد استقلالها.

خامسًا: مبدأ التوازن في العلاقات – شراكات متعددة لا تبعية أحادية

لم يعد من الممكن الرهان على علاقة مركزية واحدة تحكم السياسة الخارجية السورية.

تقوم السياسة الجديدة على تنويع العلاقات، وتوسيع الشراكات، دون الارتهان لأي طرف.

ويشمل ذلك:

الانفتاح على قوى دولية متعددة ضمن رؤية استراتيجية.

تعزيز العلاقة مع المحيط العربي دون التضحية بالاستقلال.

بناء شراكات تنموية لا تفرض شروطًا سياسية تهدد السيادة.

سادسًا: مبدأ المصالح العليا فوق الخطابات الكبرى

لطالما استُخدمت القضايا العادلة كمبرر لإخفاء التبعية أو تبرير السياسات القمعية.

في مشروع النهضة، لا تُلغى المبادئ، لكنها لا تُستخدم قناعًا للسلطة.

يتم ربط كل تحرك خارجي بسؤال واضح:
ما المكسب الوطني؟ وما المصلحة السيادية؟

لا يُقبل أي انخراط خارجي لا يُنتج مصلحة واضحة للشعب، أو يهدد تماسك الدولة.

سابعًا: مبدأ احترام القانون الدولي دون خضوع لإرهاب المنظمات الدولية

تُعيد الدولة السورية الجديدة تموضعها القانوني في العالم ضمن معايير القانون الدولي، لا فوقه ولا تحته.

ويعني ذلك:

احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها.

مطالبة الآخرين بالمثل تجاه سوريا.

عدم الخضوع للابتزاز تحت غطاء المنظمات الدولية، مع الانخراط الواعي فيها.

يُعاد بناء العلاقة مع الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات على قاعدة المشاركة لا التبعية.

ثامنًا: مبدأ تطوير الدبلوماسية – من الحضور الرمزي إلى التأثير السيادي

تُحوّل السياسة الخارجية من مجرد تمثيل شكلي إلى أداة فاعلة:

دبلوماسية اقتصادية لخدمة الإنتاج الوطني.

دبلوماسية ثقافية لإعادة تقديم سوريا كبلدٍ للحضارة لا للخراب.

دبلوماسية شعبية تستثمر الجاليات السورية كرافعة لا كعبء.

يتم تدريب وتأهيل الكادر الدبلوماسي على أسس جديدة، تُراعي الكفاءة والانتماء للمشروع السيادي، لا للسلطة أو الولاء الشخصي.

خاتمة الفصل:

ليست المبادئ التي تحكم السياسة الخارجية في الدولة السورية الجديدة مجموعة من العبارات الدبلوماسية أو الأهداف الأخلاقية، بل هي مرتكزات فعلية تُترجم إلى قرارات وسياسات وتموضع دولي. وهي تُعبّر عن نهاية عهد الارتجال والتبعية والخطاب الفارغ، وبداية عهد جديد تُبنى فيه العلاقات الخارجية على قاعدة واحدة:

السيادة أولًا، والمصلحة العليا للشعب السوري فوق كل اعتبارات.