القسم السابع – الباب الثالث
الفصل التاسع عشر القانون كمنظومة أخلاقية
من صكّ الغلبة إلى لغة المواطنة
المدخل: من تشريع التسلّط إلى بناء العدالة
في الدول المنهارة،
وفي الأنظمة السلطوية،
لم يكن القانون وسيلة لضمان الحقوق،
بل أداة لإضفاء الشرعية على الظلم.
لقد عرف السوريون القانون،
ولكن لا كعدالة… بل كقمع مشرعن.
وعرفوا المحاكم،
ولكن لا كمؤسسات مستقلة… بل كأفرع للسلطة.
في الجمهورية الجديدة،
لن يكون القانون نصوصًا تُفرض من فوق،
بل منظومة أخلاقية تعبّر عن التوافق المجتمعي،
وتحمي الإنسان لا تسجنه،
وتكرّس المواطنة لا الولاء،
وتبني دولة الحقوق لا دولة الزعيم.
أولاً: المشكلات التأسيسية في النظام القانوني السابق
لفهم ضرورة إعادة بناء القانون، لا بد من تشريحه كما كان:
قوانين طوارئ دائمة تُعلق الدستور لصالح الأمن.
نصوص فضفاضة تُستخدم لمعاقبة الرأي، لا الجريمة.
محاكم استثنائية (محكمة الإرهاب، الميدان،… إلخ) خارج إطار العدالة.
تسييس السلطة القضائية وربطها مباشرة بالرئاسة.
ازدواجية القانون (قانون مدني، ديني، عرفي، عسكري) تُستخدم حسب المزاج السياسي.
إقصاء الفئات الضعيفة (المرأة، الطفل، الأقليات) من الحماية القانونية الفعلية.
ثانياً: المبادئ التأسيسية لمنظومة قانونية جديدة
لبناء قانون يعكس مشروع النهضة السورية، لا بد من تأسيسه على:
فلسفة المواطنة الكاملة: لا تمييز أمام القانون، لا طائفياً، ولا جنسياً، ولا جغرافياً.
سيادة الدستور كمصدر أعلى لكل التشريعات.
استقلال القضاء عن أي سلطة تنفيذية أو سياسية.
تكامل التشريع مع منظومة الحقوق الأساسية: الحق في الحياة، في الكرامة، في الفكر، في التنظيم، في الحماية.
العدل لا الردع: القانون يُبنى لحماية السلم والعدالة، لا لبثّ الرعب أو فرض السيطرة.
وضوح النص القانوني وبساطته ليتحول إلى ثقافة يومية، لا مادة لاحتكار القضاة أو المحامين فقط.
ثالثاً: خطوات إصلاح المنظومة القانونية السورية
أ. على مستوى النصوص:
إلغاء القوانين الاستثنائية، وعلى رأسها قانون الطوارئ، ومحاكم الإرهاب.
إعادة صياغة القانون الجنائي بما يتوافق مع حقوق الإنسان ويضمن العقوبة العادلة لا الانتقام.
توحيد المرجعيات القانونية بما يضمن الانسجام بين القانون المدني والأحوال الشخصية والتجاري والعقاري.
تحويل الدستور إلى مصدر حي للتشريع، يُحتكم إليه في كل قانون.
ب. على مستوى المؤسسات:
فصل كامل بين السلطتين القضائية والتنفيذية.
مجلس قضاء أعلى مستقل منتخب جزئيًا من القضاة وممثلي المجتمع المدني.
إلغاء كل المحاكم الاستثنائية، وإعادة هيكلة المحاكم العسكرية لتكون ضمن اختصاص محدد وتحت رقابة مدنية.
تحديث كليات الحقوق، لتتحول إلى مدارس للفكر القانوني والعدالة لا مجرد إنتاج موظفين قانونيين.
ج. على مستوى المجتمع:
تعميم الثقافة القانونية في التعليم العام من المرحلة الابتدائية.
تأسيس منصات رقمية مبسطة لشرح الحقوق القانونية لكل مواطن بلغة يفهمها.
ضمان الحق القانوني في الدفاع المجاني للفئات المهمشة والفقراء.
رابعاً: منظومة الحريات الأساسية كجوهر للمنظومة القانونية
حرية الرأي والتعبير والإعلام: لا يجوز سن أي قانون يجرّم الرأي السياسي أو التعبير السلمي.
حرية التنظيم السياسي والنقابي والمجتمعي: لا تقييد دون قرار قضائي معلل، ولا حلّ لأي كيان إلا بحكم قضائي نهائي.
الخصوصية والكرامة: القانون يجب أن يجرّم التجسس والمراقبة على الأفراد خارج الإذن القضائي.
الحماية من التعذيب وسوء المعاملة: اعتبار أي اعتراف انتُزع بالتعذيب باطلًا قانونًا، وإنشاء هيئة رقابية مستقلة داخل السجون.
خامساً: قانون المواطنة والعدالة الانتقالية
لبناء دولة متصالحة، لا بد من قانون:
يُعرّف المواطنة على أساس الانتماء للجمهورية، لا لطائفة أو منطقة أو عرق.
يُقرّ العدالة الانتقالية كمرحلة تأسيسية لمواجهة الماضي دون انتقام ولا نسيان.
يحظر كل أشكال التمييز في التوظيف، السكن، التعليم، المشاركة السياسية.
ينظم الحصانات والامتيازات بحيث لا يتحول أحد إلى فوق القانون.
سادساً: خارطة تأسيس دستوري–تشريعي للفترة الانتقالية
المرحلة الأولى (6 أشهر): تشكيل لجنة وطنية لصياغة التشريعات الجديدة، تضم قضاة مستقلين، حقوقيين، ممثلي نقابات.
المرحلة الثانية (سنة واحدة): عرض القوانين الجديدة للاستفتاء العام ومناقشتها علنًا.
المرحلة الثالثة (سنتان): إطلاق مسار العدالة الانتقالية، والمصالحة المجتمعية عبر آليات قضائية مختصة.
المرحلة الرابعة (3–5 سنوات): تثبيت المنظومة القانونية في النظام العام، وتقييم أدائها ومراجعتها دوريًا.
سابعاً: القانون في الدولة النهضوية – ليس نصًا يُفرض، بل روحٌ تُعاش
ليست الدولة الحديثة هي التي تملك أكثر القوانين،
بل الدولة التي يؤمن مواطنوها أن القانون لهم لا عليهم،
وأن العدل لا يحتاج إلى واسطة،
وأن الكرامة مصونة بنصوص حقيقية،
وأن السجن لا يُستخدم ضد الكلمة،
وأن الشرطة لا تدخل البيوت في الليل بلا إذن ولا احترام.
في النهضة السورية،
القانون ليس حبلًا يشدّ المواطن،
بل شبكة أمان تحفظه من السقوط.