web analytics
القسم السابع – الباب الأول

الفصل الأول من العقد الفلسفي إلى النص الدستوري

أسس الدستور النهضوي

أولًا: مدخل تأسيسي – من الفلسفة إلى النص

بعد أن صغنا ملامح الإنسان السيادي، والدولة الضامنة، والعقد الاجتماعي التشاركي، ننتقل الآن إلى تحويل تلك الفلسفة إلى دستور عملي، يكون حجر الزاوية في بناء الدولة السورية الجديدة، لا بوصفه “نصًا قانونيًا” فقط، بل بوصفه:

الإطار الناظم لعلاقة الدولة بالفرد،

والأداة الكابحة لأي ميل سلطوي،

والمرآة التي تعكس الإرادة الجمعية لا الأهواء الفردية.

إننا لا نبحث عن دستور يزيّن السلطة، بل دستور يُؤسِّس لسلطة شرعية نابعة من العقد، ومقيدة بالقانون، وخاضعة للرقابة.

ثانيًا: المبادئ التأسيسية للدستور النهضوي

ينبغي أن يقوم النص الدستوري على المبادئ التالية التي تُترجم المفاهيم الفلسفية الكبرى إلى بنود عملية قابلة للتطبيق:

الإنسان هو الأصل، لا الدولة
–  الحقوق ليست منحة من السلطة، بل ضمان دستوري سابق عليها.
–  لا يجوز لأي سلطة أو قانون أو عرف أن ينتهك كرامة الفرد أو إرادته الحرة.

الشعب هو مصدر الشرعية والسيادة
–  لا وصاية على إرادة الناس تحت أي مسمى (ديني، عسكري، حزبي).
–  العقد السياسي يُنتج السلطة ولا يُنتجها الغلبة أو الوراثة أو التقديس.

فصل السلطات تام وجوهري لا شكلي
–  لا تتدخل السلطة التنفيذية في القضاء أو التشريع.
–  تُنصّ مواد واضحة على استقلال كل سلطة، وتُنشأ آليات رقابية محصنة.

التمثيل المتوازن والشامل
–  يُبنى النظام التمثيلي على أسس عادلة مناطقيًا، ديموغرافيًا، وثقافيًا، لضمان مشاركة الجميع.

الكرامة الإنسانية فوق الهوية الفرعية
–  لا تمييز في الحقوق والواجبات على أساس الطائفة، القومية، الدين، اللغة أو الجندر.

دولة مدنية لا دينية ولا معادية للدين
–  تُصان حرية المعتقد، دون أن تُختزل الدولة في مرجعية دينية أو تفرض تأويلًا واحدًا.

المساءلة والشفافية جزء من بنية الحكم
–  الدستور لا يحمي السلطة من الشعب، بل يحمي الشعب من السلطة.

ثالثًا: آليات صياغة الدستور – كيف نُنتجه؟

من الضروري أن تكون عملية إنتاج الدستور النهضوي:

تشاركية: تُدار من هيئة تأسيسية منتخبة مباشرة من الشعب، لا من نخبة مغلقة أو مجلس معيّن.

علنية: تخضع لرقابة شعبية وإعلامية خلال مراحل الإعداد والمناقشة.

قابلة للتعديل بشروط صارمة: تضمن ثبات المبادئ مع مرونة التطور.

رابعًا: محاور الدستور الأساسية

ينبغي أن يغطي النص الدستوري البنود التالية بشكل دقيق ومباشر:

تعريف الهوية الوطنية الجامعة

تحديد طبيعة النظام السياسي

فصل السلطات الثلاث وصلاحياتها

النظام الانتخابي وآليات تداول السلطة

ضمان الحقوق الأساسية (حرية الرأي، المعتقد، التجمع، الملكية، التنقل…)

استقلال القضاء وهيئات الرقابة والمحاسبة

تنظيم العلاقة بين الدولة والدين

ضمان التعدد الثقافي واللغوي

مبدأ اللامركزية الإدارية والتنموية

ضوابط إعلان حالة الطوارئ وتقييد الحريات

خامسًا: ضمانات عدم ارتداد الدولة على عقدها

لمنع أي تكرار للتجربة الاستبدادية، يجب أن يتضمن الدستور آليات مانعة للنكوص:

نصوص دستورية محصنة لا يمكن تعديلها، تتعلق بحقوق الإنسان وحرية الاعتقاد ورفض التمييز.

محكمة دستورية مستقلة، قادرة على إلغاء أي قانون يخالف الدستور.

حق الطعن الشعبي أمام المحكمة الدستورية من قبل أي فرد أو جماعة.

خاتمة الفصل: الدستور كمرآة الإنسان… لا قيدًا عليه

إننا لا نؤسس لدولة جديدة فقط، بل لعقد إنساني–سياسي يؤسس لبنية متوازنة، عادلة، وعاقلة، تحفظ كرامة الإنسان، وتُقيّد السلطة لا تُؤلهها، وتمنح الوطن شرعية من مواطنيه لا من جغرافيته وحدها.

وإذا أردنا نهضة مستدامة، فلا يمكن أن نبدأها إلا من هنا…
من دستورٍ لا يُفرض، ولا يُزيّف، بل يُبنى بالإرادة… ويُصان بالوعي.