web analytics
القسم السادس – الباب الأول

الفصل الاول إصلاح جهاز الشرطة

من أداة قمع إلى مؤسسة أمنية لحماية الإنسان والمجتمع

مقدمة الفصل

لا تُقاس مدنية الدولة فقط بنصوص دساتيرها،
بل بالكيفية التي تُمارس بها السلطة على الأرض.
وفي مقدمة أدوات السلطة التنفيذية: جهاز الشرطة.

حين يكون جهاز الشرطة ذراعًا أمنية لقمع المجتمع،
يعيش المواطن تحت سلطة الخوف لا تحت حكم القانون.

وحين يكون جهاز الشرطة خادمًا للقانون وحاميًا لحقوق الناس،
تزدهر الثقة بين الدولة والمجتمع،
وتنمو روح المواطنة والمسؤولية.

في سوريا ما قبل مشروع النهضة،
كان جهاز الشرطة امتدادًا للأجهزة الأمنية،
وظيفته الأساسية: حماية النظام لا حماية الشعب.

وفي مشروع النهضة،
نسعى إلى إعادة تأسيس جهاز الشرطة،
ليكون كما ينبغي له أن يكون:
خادمًا للمجتمع، لا سيفًا مصلتًا عليه.

أولًا: وظيفة الشرطة في الدولة الديمقراطية

في دولة القانون، الشرطة ليست أداة سياسية،
بل هي:

جهاز مدني لحفظ النظام العام.

ضامن لحماية الحقوق والحريات الفردية.

منفذ للقانون بتجرد وحياد.

حلقة وصل بين المواطن والدولة في مجال الأمن.

وتستمد الشرطة شرعيتها من احترامها للقانون،
ومن احترامها لكرامة الإنسان.

ثانيًا: طبيعة الانحراف الوظيفي لجهاز الشرطة في سوريا السابقة

تحويل الشرطة إلى ذراع قمع سياسي وأمني.

إخضاع الشرطة لسلطة الأجهزة الأمنية بدل السلطة القضائية المستقلة.

استخدام الاعتقال والضرب والإهانة كأدوات يومية للتعامل مع المدنيين.

انتشار الفساد والابتزاز وغياب المساءلة.

تحويل أقسام الشرطة إلى مراكز للتعذيب بدل أن تكون مراكز لحماية المجتمع.

ثالثًا: المبادئ الأساسية لإصلاح الشرطة السورية

مدنية الشرطة:
جهاز الشرطة مؤسسة مدنية غير عسكرية، ترتبط بالمجتمع لا بالسلطة الحاكمة.

الالتزام بحقوق الإنسان:
التعامل مع المواطنين بكرامة واحترام، مهما كانت الظروف.

خضوع الشرطة للقانون:
أي إجراء تقوم به الشرطة يجب أن يكون مستندًا إلى نص قانوني واضح وخاضع للمراجعة القضائية.

المساءلة والمحاسبة:
لا أحد فوق القانون، بمن فيهم رجال الشرطة أنفسهم.

التعددية والتمثيل:
وجوب أن يعكس جهاز الشرطة التنوع المجتمعي السوري، لضمان عدم تمييز أو تحيز.

الاحترافية والكفاءة:
اعتماد معايير مهنية صارمة في التوظيف والتدريب والترقية.

رابعًا: آليات إعادة بناء جهاز الشرطة

أ- إعادة الهيكلة المؤسسية

إنشاء وزارة الداخلية مدنية مستقلة عن الأجهزة الأمنية والعسكرية.

تنظيم جهاز الشرطة ضمن هياكل واضحة تتضمن:

شرطة مدنية عامة.

شرطة مرور.

شرطة بيئية.

شرطة مجتمعية (Community Policing).

وحدات حماية الأحداث والنساء.

ب- التطهير المؤسسي

مراجعة شاملة لكوادر الشرطة القديمة.

إحالة من ثبت تورطه في الانتهاكات إلى القضاء.

إعادة التأهيل المهني لمن يثبت أهليته الأخلاقية والمهنية.

ج- بناء كادر شرطي جديد

فتح باب التوظيف على أسس النزاهة والكفاءة.

تعزيز مشاركة النساء والأقليات في جهاز الشرطة.

تدريب الشرطة على مبادئ حقوق الإنسان والتعامل المجتمعي.

د- التدريب النوعي

برامج تدريب إلزامية حول:

قواعد استخدام القوة.

إدارة النزاعات المجتمعية.

حماية ضحايا العنف.

أساليب غير عنفية لحفظ النظام.

هـ- تطوير نظم الرقابة الداخلية والخارجية

إنشاء وحدات تفتيش داخلي مستقلة.

السماح لمنظمات المجتمع المدني بمتابعة أداء الشرطة.

تفعيل دور القضاء في مراقبة قانونية إجراءات الشرطة.

خامسًا: دور الشرطة المجتمعية في إعادة بناء الثقة

الشرطة المجتمعية ليست جهازًا للمراقبة،
بل شريكًا للمجتمع في بناء الأمن.

من خلال:

التواصل الدائم مع السكان.

الوقاية من الجريمة عبر العمل المجتمعي.

الاستجابة السريعة لشكاوى المواطنين.

العمل على حل النزاعات محليًا قبل تفاقمها.

سادسًا: التحديات المتوقعة في مسار إصلاح الشرطة

الموروث العميق لثقافة القمع.

مخاطر التسييس أو الاستغلال السياسي لجهاز الشرطة الجديد.

نقص الكوادر المؤهلة والمدرّبة.

مقاومة التغيير من بعض الفئات المستفيدة من النظام القديم.

ضعف الثقة الشعبية نتيجة الإرث الثقيل للانتهاكات السابقة.

مما يجعل من الضروري إدارة الإصلاح عبر مراحل دقيقة
تجمع بين التطهير، التدريب، والمراقبة المجتمعية.

سابعًا: دروس مقارنة ملهمة

  1. تجربة الشرطة المجتمعية في إيرلندا الشمالية بعد اتفاقية الجمعة العظيمة:
    إعادة بناء جهاز الشرطة كان أساسًا لتحقيق المصالحة المجتمعية.
  2. تجربة جنوب أفريقيا بعد نهاية الفصل العنصري:
    اعتماد مبادئ الشرطة المجتمعية لحماية الحقوق بعد عقود من القمع.
  3. نموذج الدول الإسكندنافية:
    اعتبار الشرطة جزءًا من نسيج المجتمع، لا جهازًا منفصلًا عنه.

خاتمة الفصل

في دولة النهضة السورية،
لن تكون الشرطة سوطًا بيد السلطة،
بل درعًا يحمي المجتمع والقانون.

فلا أمان بلا شرطة تحترم الإنسان،
ولا نهضة بلا أمن مبني على الثقة لا الخوف،
ولا دولة حديثة بدون جهاز شرطي مدني مستقل،
يقف في صف العدالة لا في صف القمع.