web analytics
القسم السابع – الباب الأول

الفصل السابع إصلاح النظام الانتخابي

من التزييف إلى آلية إنتاج الشرعية

أولاً:  الانتخابات ليست آلية فنية بل عقد سيادة

في الدول التسلطية، تُفرغ الانتخابات من مضمونها،
فتُختزل إلى استعراضات شكلية،
وتُفرز من خلالها وجوه موالية، لا ممثلين حقيقيين،
ويُحتكر القرار باسم صندوق مُسيطَر عليه،
وتُستخدم المظاهر الديمقراطية لتبرير الواقع الديكتاتوري.

أما في مشروع النهضة السورية،
فالانتخابات ليست مجرد صناديق وأرقام،
بل هي البنية التحتية للشرعية،
ومؤسسة جوهرية لعقد السيادة الشعبية،
ومجال يُستعاد فيه المعنى السياسي الحقيقي:
أن يقرّر الناس… لا أن يُقرَّر لهم.

ثانياً: تشريح الانحراف – من استفتاء الزعيم إلى اغتيال التمثيل

في التجربة السورية، كان النظام الانتخابي أداة تشويه لا تمثيل.
منذ عقود، سادت المظاهر التالية:

قوانين مفصّلة على مقاس الحزب الحاكم، تحرم المعارضين من فرص المنافسة.

هيمنة الأجهزة الأمنية على الإدارة الانتخابية، وتحويل الانتخابات إلى قرار فوقي.

قوائم الجبهة الوطنية التقدمية كمظهر تعددي شكلي، يغلق الباب أمام التعدد الفعلي.

تزييف الإرادة الشعبية من خلال التزوير، والضغط، وشراء الأصوات.

استفتاءات القائد الأوحد، التي تصل فيها النتائج إلى 99%، وتُحوّل الناس إلى جمهور مُصفّق.

هذه البنية الانتخابية لم تكن معيبة فحسب،
بل كانت أداة مباشرة في إنتاج الانحطاط السياسي،
وفي قتل الثقة،
وفي صناعة طبقة تمثيلية لا تمثل سوى ذاتها وسيدها.

ثالثاً:  ملامح النظام الانتخابي النهضوي

لإعادة بناء الدولة، لا بد من إعادة بناء الشرعية،
ولا شرعية بدون انتخابات،
ولا انتخابات دون نظام عادل،
ولذلك، يقترح المشروع النهضوي نظامًا انتخابيًا جديدًا، يقوم على الأسس التالية:

قانون انتخابي موحد شفاف، يُقرّ بدستورية التعدد السياسي والفكري.

هيئة مستقلة تمامًا لإدارة العملية الانتخابية، محمية من التدخل الحزبي أو الأمني.

دوائر انتخابية عادلة، تضمن التوازن السكاني والمناطقي، وتمنع التلاعب بالخريطة التمثيلية.

نظام تمثيل نسبي مفتوح، يكفل تنوع الأصوات، ويحمي الأقليات السياسية والجغرافية.

إلغاء أي شرط أيديولوجي أو حزبي للترشح، مع اعتماد شروط الكفاءة والنزاهة فقط.

تمويل انتخابي مراقب وشفاف، يمنع تحكّم المال السياسي أو الخارجي بمخرجات الإرادة الشعبية.

منع استخدام الإعلام الرسمي والديني والأمني في الحملات، وحظر توظيف الدولة في الدعاية.

آلية للطعن الفوري في النتائج أمام قضاء مستقل، دون تدخل تنفيذي أو أمني.

رابعاً: ضمانات النزاهة – من الكواليس المغلقة إلى العلن

لكي لا تبقى المبادئ حبرًا على ورق،
وجب تحويلها إلى نظام رقابي صارم وشفاف، يشمل:

مراقبة داخلية وخارجية من قبل منظمات مدنية مستقلة.

نقل مباشر لجميع مراحل الفرز والعد.

نشر السجلات الانتخابية علنًا، وتحديثها وفق معايير دقيقة.

تجريم التلاعب، أو شراء الأصوات، أو التزوير بأي صورة.

وضع سجل للمرشحين، يتضمّن مصادر تمويلهم وارتباطاتهم، ويُتاح علنًا للجمهور.

خامساً: إصلاح التمثيل السياسي – من القوائم المغلقة إلى التعدد الحقيقي

التمثيل البرلماني في سوريا لم يكن يومًا انعكاسًا حقيقيًا للإرادة الشعبية،
بل كان امتدادًا للسلطة، أو لرجال الأعمال المرتبطين بها، أو لعصبيات محلية مُدارة من فوق.

ولذلك، يجب إعادة تعريف التمثيل وفق المفاهيم التالية:

البرلمان هو سلطة الشعب، لا حديقة السلطة.

المرشَّح يجب أن يكون ممثلًا حقيقيًا لقضية، أو مجتمع، أو رؤية، لا حاملًا لصورة.

البرلمان يجب أن يحاسب الحكومة، لا يصفّق لها.

المعارضة البرلمانية جزء من الشرعية، لا تهديد لها.

التنوع الفكري والسياسي ضمانة للتمثيل، لا تهديد للوحدة.

سادساً:  إشراك الجميع – من التمييز إلى التضمين الكامل

النظام الانتخابي العادل يجب أن يُصاغ ليشمل الجميع:

المرأة: بنظام تمثيلي يضمن لها حصة فعلية، ويكسر الحواجز الذكورية.

الشباب: بتخفيض سن الترشح، وضمان مقاعد تمثيلية لدوائرهم.

ذوو الاحتياجات الخاصة: بتوفير بنية ملائمة لاقتراعهم وترشحهم ومشاركتهم الكاملة.

المهجّرون واللاجئون: بإيجاد آلية تضمن تصويتهم وتمثيلهم خارج أماكن الإقامة الحالية.

المجتمعات المحلية المنسيّة: بكسر التهميش الجغرافي، وإعادة توزيع الوزن التمثيلي بعدالة.

سابعاً:  الانتخابات كرافعة لبناء الثقة

إن إصلاح النظام الانتخابي ليس مجرد إجراء تقني،
بل هو المدخل لبناء الثقة السياسية،
والمفتاح لإنتاج مؤسسات تمثل الشعب فعلًا،
والمعبر الأساسي لإعادة تكوين الحياة السياسية بعد سنوات من الإقصاء، التزييف، والخراب.

وحين تتحول الانتخابات من مشهد ديكوري إلى رافعة شرعية،
نكون قد بدأنا إعادة الاعتبار للإرادة الشعبية،
وتكريس العقد السياسي الجديد الذي يؤسس لسوريا النهضة،
سوريا التي يقرر أهلها من يحكمها، لا من يُفرض عليهم.

ختام الفصل

الشرعية لا تُمنَح… بل تُنتَج.
والتمثيل لا يُفرض… بل يُبنى على الثقة.
والمستقبل لا يُنتخب في الظلام… بل في العلن، بالصوت، بالإرادة، وبالقانون.

إن إصلاح النظام الانتخابي هو ركيزة مركزية في مشروعنا،
ليس بوصفه بوابة تداول السلطة فقط،
بل لأنه تجسيد عملي لمعنى الدولة السيادية التي تبدأ من الشعب… لا من فوقه.