القسم السادس – الباب الأول
الفصل السابع هندسة منظومة الأمن الوطني الشامل
مدخل تأسيسي
الأمن الوطني هو الإطار الأوسع الذي تتفرع منه السياسات الدفاعية والأمنية والداخلية والخارجية معًا. إنه ليس مجرد حفظ للأمن بالمعنى الشرطي أو العسكري، بل منظومة متكاملة تهدف إلى حماية كيان الدولة، وسلامة مجتمعها،
واستقرار نظامها السياسي، وتحصين اقتصادها وثقافتها وهويتها، في مواجهة كل أنواع التهديدات التقليدية والمستجدة.
وفي سوريا، حيث انهارت معادلة الأمن الشامل خلال العقود الماضية، بفعل الاستبداد والاحتلالات والصراعات، يصبح بناء منظومة أمن وطني حقيقية، عادلة، شفافة، قائمة على احترام الإنسان وحقوقه، من الضرورات الوجودية لاستعادة الدولة والهوية والكرامة الوطنية.
أولًا: تعريف منظومة الأمن الوطني
يقصد بمنظومة الأمن الوطني:
الإطار المؤسسي والاستراتيجي الذي تتكامل فيه السياسات الدفاعية، الأمنية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، السيبرانية، والبيئية، بهدف حماية الدولة والمجتمع من التهديدات الداخلية والخارجية، وضمان استقرار النظام السياسي، وتمكين التنمية الشاملة.
ومن هنا، فإن الأمن الوطني ليس مهمة جهاز أمني أو عسكري واحد، بل مسؤولية منظومة متكاملة تشمل:
المؤسسات السياسية والدستورية
القوات المسلحة والأجهزة الأمنية
الاقتصاد الوطني
المنظومة التعليمية والثقافية
الإعلام الوطني
البنية التحتية الحيوية
المجتمع المدني
الجاليات السورية في الخارج
ثانيًا: المبادئ المؤسسة للأمن الوطني السوري الجديد
الأمن في خدمة الإنسان، لا السلطة
فلا أمن مستدام بدون احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
الأمن كمنظومة وقائية لا قمعية
أي الاعتماد على المعالجة الجذرية للمشكلات بدل الاكتفاء بالقمع الظاهري للأعراض.
التوازن بين الحرية والأمن
بحيث لا تكون الحرية فوضى، ولا يتحول الأمن إلى استبداد.
الشفافية والمساءلة
عبر خضوع السياسات الأمنية لرقابة مؤسساتية برلمانية وقضائية مستقلة.
الشراكة المجتمعية
باعتبار أن الأمن الوطني قضية عامة تتطلب مشاركة واعية من جميع المواطنين.
ثالثًا: التهديدات التي تستهدف الأمن الوطني السوري
الاحتلالات الأجنبية
إسرائيل، تركيا، إيران، روسيا، والولايات المتحدة، بوجودات متفاوتة.
الميليشيات والفصائل المسلحة خارج نطاق الدولة
سواء ذات الطابع الجهادي، أو الإثني، أو الطائفي.
الإرهاب العابر للحدود
من بقايا تنظيمات مثل داعش، القاعدة، وغيرها.
الانقسامات المجتمعية
العرقية، الطائفية، السياسية، التي تغذي النزاعات الأهلية.
الانهيار الاقتصادي والاجتماعي
الذي يولد بيئات خصبة للتطرف والعنف والجريمة المنظمة.
الحرب السيبرانية والهجمات الرقمية
التي تستهدف بنية الدولة ومؤسساتها الحيوية.
التلوث البيئي والموارد المائية
كملف الأمن البيئي الذي أصبح أحد عناصر الأمن القومي المعاصر.
رابعًا: مكونات هندسة الأمن الوطني الشامل
استراتيجية أمن قومي شاملة
تحدد التهديدات والأهداف والوسائل بشكل متكامل ومستدام.
مجلس الأمن الوطني
هيئة سيادية مدنية–عسكرية تعمل كمظلة تنسيقية لكل المؤسسات الأمنية والدفاعية.
جهاز أمن داخلي مدني
يعنى بحماية المواطنين ومؤسسات الدولة ضمن إطار احترام الحقوق والحريات.
أمن اقتصادي وطني
عبر حماية القطاعات الحيوية، ومكافحة التهريب وغسيل الأموال، وتحقيق الأمن الغذائي.
أمن اجتماعي ومجتمعي
عبر معالجة البطالة، الفقر، الإقصاء الاجتماعي، وإعادة بناء العقد الاجتماعي الوطني.
أمن ثقافي وفكري
عبر حماية الهوية الوطنية، والتصدي لخطابات الكراهية والتطرف والانقسام.
أمن معلوماتي وسيبراني
عبر بناء قدرات وطنية لحماية الفضاء الرقمي السوري.
أمن بيئي
عبر إدارة الموارد الطبيعية بشكل مستدام وحماية البيئة الوطنية.
خامسًا: الخطوات العملية لبناء منظومة الأمن الوطني السوري
إقرار وثيقة الأمن الوطني
بمشاركة سياسية–مجتمعية واسعة، وجعلها جزءًا من العقد الدستوري.
تطهير الأجهزة الأمنية من العقيدة القمعية
وإعادة بنائها وفق مبادئ مهنية وطنية وقانونية صارمة.
دمج فصائل المعارضة المسلحة المنضبطة في المؤسسات السيادية
ضمن معايير الولاء الوطني واحترام القانون.
نزع سلاح الميليشيات الخارجة عن الدولة
عبر برامج تفكيك، وتسريح، وإعادة إدماج متدرجة وشفافة.
تأهيل القضاء الوطني المستقل
كضمانة عليا لحقوق الإنسان، وحماية الأفراد من تغول الأجهزة الأمنية.
تمكين المجتمع المدني
بوصفه شريكًا في حماية الأمن المجتمعي، ومراقبًا مستقلًا للأداء الحكومي.
بناء ثقافة الأمن الوطني الوقائي
في المناهج التربوية، والإعلام، والخطاب العام.
سادسًا: الأمن الوطني والسياسة الخارجية
ربط الأمن الداخلي بالسياسة الخارجية
بحيث تُخدم السياسة الخارجية أهداف الأمن الوطني، وليس العكس.
تبني سياسة عدم الانحياز السلبي
أي بناء علاقات متوازنة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية دون الارتهان.
تفعيل الدبلوماسية الوقائية
لمنع تحول النزاعات المجاورة إلى تهديدات مباشرة للأمن الوطني.
الاستفادة من الدعم الدولي
لبناء مؤسسات الأمن الوطني دون التخلي عن الاستقلال السيادي.
سابعًا: معايير قياس فعالية منظومة الأمن الوطني السوري
مدى احترام حقوق الإنسان والحريات العامة
درجة الشفافية والمساءلة في عمل الأجهزة الأمنية
مدى التكامل بين الأجهزة والمؤسسات المختلفة
مستوى ثقة المواطنين بالأجهزة والمؤسسات
قدرة الدولة على التعامل مع الأزمات دون انهيار أو قمع
التوازن بين احتياجات الأمن ومتطلبات التنمية
خاتمة الفصل
إن بناء منظومة أمن وطني شاملة وعادلة هو تحدي الوجود ذاته في سوريا الجديدة،
تحدي أن نكون دولة تصون الإنسان بدل أن تبتلعه، تحمي السيادة بدل أن تفرط بها، وتنتج الأمن عبر الحرية لا عبر القمع.
مشروع النهضة لا يرى الأمن الوطني بوصفه قيدًا إضافيًا على رقاب الناس، بل شبكة أمان تحمي كل مكاسب الحرية، وتصون وحدة الأرض والشعب، وتؤسس لسلام داخلي مستدام.