web analytics
القسم السابع – الباب الثالث

الفصل السابع عشر الجيش والأمن في الدولة السورية الجديدة

من أدوات السيطرة إلى منظومة السيادة الوطنية

أولاً: مدخل تأسيسي – المؤسسة العسكرية والأمنية في قلب سؤال الدولة

في أي دولة تنهض من رماد الانهيار،
تكون المؤسسات العسكرية والأمنية الركيزة الأصعب والأكثر حساسية،
فهي ليست مجرد أجهزة تنفيذية،
بل انعكاس مباشر لعلاقة الدولة بشعبها،
ولتصورها عن السيادة، والسلطة، والمجتمع.

لكن في سوريا،
لم تكن هذه المؤسسات جزءًا من “دولة الوطن”،
بل من “سلطة النظام”،
تُبنى على الولاء، لا الكفاءة،
وتخدم الحكم، لا الوطن،
وتقمع الناس، بدل حمايتهم.

لذا فإنّ إعادة بناء المؤسستين العسكريّة والأمنيّة،
لا تكون بعمليات ترقيع شكلي،
ولا بإعادة توزيع الولاءات،
بل بــ تأسيس عميق لوظيفة جديدة، بنية جديدة، عقيدة جديدة، وموقع جديد في العقد الاجتماعي والسيادي.

ثانياً: تشريح الانهيار – ما الذي يجب ألا نُعيد إنتاجه؟

لفهم ما يجب بناؤه، لا بد من تفكيك ما انهار.
والمؤسسة العسكرية–الأمنية في سوريا القديمة كانت تعاني من:

تسييس كامل للمؤسسة العسكرية لصالح شخص الحاكم.

طائفية بنيوية في القيادة والترقية والتوزيع الجغرافي للقوات.

دمج مَرَضي بين الأمن السياسي والأمن الجنائي، فصار كل مواطن متهمًا حتى يثبت ولاؤه.

تحويل الأجهزة الأمنية إلى أدوات تكميم وقمع، بلا رقابة أو مساءلة.

غياب العقيدة الوطنية لصالح عقيدة الحاكم–القائد–الأبدي.

تفتيت المجتمع بالترهيب، بدل حمايته من التفكك.

وما زاد الانهيار حدةً:

الحرب الأهلية، وانتشار الميليشيات، وتحوّل الولاءات إلى قوى خارجية.

التدخلات الإقليمية والعالمية التي أنشأت “جيوشًا داخل الجيش”، و”أجهزة فوق الدولة”.

فقدان ثقة المجتمع نهائيًا بأيّ منظومة أمنية أو عسكرية تقليدية.

ثالثاً: المبادئ التأسيسية لإعادة بناء المؤسستين

لضمان عدم إعادة إنتاج نظام الاستبداد بلباس جديد،
تُبنى المؤسستان وفق المبادئ التالية:

السيادة الوطنية أولًا: لا تبعية لأي قوة خارجية، ولا تنسيق أمني مع دول معتدية على السيادة.

العقد الدستوري فوق كل سلطة: لا حصانة لأي ضابط أو جهاز خارج سلطة القانون والمساءلة.

الجيش جهاز دفاعي لا سياسي: يمنع من التدخل في الحكم، أو الانتخابات، أو الشأن المدني.

الأمن لحماية الشعب لا مراقبته: يحصر دوره في الجريمة الجنائية، وحماية السلام المجتمعي.

العدالة التمثيلية داخل المؤسستين: إنهاء أي خلل طائفي أو مناطقي في بنيتهما.

المهنية والكفاءة أساس الترقية، لا الولاء.

تكاملية بين المؤسسات السيادية: الأمن والجيش والشرطة تحت رقابة تشاركية من البرلمان، السلطة القضائية، والمجتمع المدني.

رابعاً: خريطة إعادة بناء الجيش السوري – من ميليشيات التفكك إلى مؤسسة سيادة موحدة

أ. تفكيك البنية القديمة:

حلّ جميع الألوية والفرق التي ارتكبت انتهاكات بحق الشعب.

حل الحرس الجمهوري وقوات المهام الخاصة المرتبطة بالأسد، واستبدالها بقوات جديدة ذات طابع وطني شامل.

إلغاء الامتيازات السياسية والاقتصادية لضباط الجيش، وإخضاعهم لقانون موحّد للوظيفة العسكرية.

ب. إعادة التشكيل على أساس وظيفي–جغرافي:

تقسيم الجيش إلى أربعة مناطق عمليات رئيسية (شمال–جنوب–شرق–غرب) تحت قيادة موحدة خاضعة لوزير دفاع مدني.

إنشاء قوات احتياط مدنية–دفاعية تعمل في حالات الطوارئ والكوارث، وتخضع لتدريب وطني دوري.

هيكلة الأكاديميات العسكرية لتكون فضاءات تدريب معرفي وقانوني وأخلاقي، لا فقط تدريبات جسدية.

ج. العقيدة العسكرية:

الدفاع عن الحدود، حماية الدستور، عدم التدخل في السياسة، احترام حقوق الإنسان، ورفض الأوامر غير الدستورية.

د. التدريب والإدماج:

إطلاق برامج دمج تأهيلي للعناصر والفصائل التي قاتلت خارج إطار النظام أو ضده، ممن لم ترتكب جرائم حرب.

تدريب قيادات جديدة عبر شراكات دولية مع جيوش ديمقراطية غير استعمارية، لضمان الانفتاح على تجارب ناجحة.

خامساً: إصلاح الأجهزة الأمنية – من التسلّط إلى الأمن المجتمعي

أ. حلّ الأجهزة القديمة:

حل كافة الأجهزة الأمنية السياسية (المخابرات الجوية، العسكرية، أمن الدولة، الأمن السياسي…).

إنهاء ارتباطها المباشر بالقصر الرئاسي أو أي منصب خارج المؤسسة الدستورية.

ب. إنشاء جهاز أمن موحد:

تأسيس جهاز أمن وطني يُعنى فقط بـ:

الجرائم الجنائية المنظمة

مكافحة الإرهاب والتجسس الأجنبي

حماية السلم المجتمعي

لا يملك الجهاز صلاحية توقيف دون إذن قضائي.

لا يملك أي صفة سياسية أو رقابية على الرأي العام.

ج. آليات الرقابة على الأمن:

إنشاء هيئة مستقلة مدنية للمراقبة والتظلم ضد الانتهاكات الأمنية.

سلطة قضائية خاصة لمحاسبة تجاوزات الأجهزة.

حظر كامل لأي دور أمني داخل الجامعات، الإعلام، الجمعيات، النقابات، والأحزاب.

سادساً: منظومة السيادة الدفاعية – جيش نهضوي لمواجهة التهديدات

سوريا الجديدة تحتاج إلى جيش نهضوي سيادي، قادر على مواجهة تحديات المرحلة:

صدّ العدوان الإسرائيلي المستمر، وبناء جبهة جنوبية سيادية غير مرتبطة بمحاور خارجية.

تحرير الأرض من الميليشيات الأجنبية (إيرانية، روسية، أمريكية، تركية،… إلخ).

مواجهة خطر الفصائل الجهادية المتطرفة عبر دمج المؤهلين منهم وإقصاء الإيديولوجيات العابرة للحدود.

إعادة احتكار العنف المشروع، وتجريد جميع القوى غير الخاضعة للدولة من السلاح.

سابعاً: الاندماج المجتمعي والتوازن الطائفي

وضع قانون صارم لضمان تمثيل عادل ومتكافئ في الجيش والأمن لكل المناطق والطوائف.

إعادة بناء الثقة الشعبية بالمؤسسات السيادية من خلال:

آليات شكوى فعالة.

إعلام رقابي حر.

إقصاء كل من تلطخت يداه بالدم أو الفساد.

خاتمة الفصل

لم تُهزَم سوريا فقط بالسلاح،
بل هُزمت حين تحوّلت بنية أمنها وجيشها إلى أدوات للحاكم ضد الناس،
وحين صار الخوف بديلاً عن الانتماء،
والإذعان بديلاً عن الشراكة،
والولاء بديلاً عن الوطن.

لكن الدولة الجديدة لا تقوم على الخوف،
بل على الثقة،
ولا تُبنى على الردع،
بل على التوازن،
ولا تدار بيد الخوف،
بل بقلب القانون.

حين تعود المؤسسة العسكرية إلى حضن الشعب،
وحين يتحرر الأمن من التسلط،
وحين تُخضع السيادة للمساءلة،
تولد الجمهورية الجديدة…

سوريا التي تحمي أهلها… لا تحكمهم بالعصا.