web analytics
القسم السادس – الباب الأول

الفصل السادس هندسة منظومة السياسات الدفاعية السورية

مدخل تأسيسي

في الدول الحديثة، لا تقتصر مهمة الدفاع الوطني على امتلاك جيش قوي فقط، بل تقوم على منظومة متكاملة من السياسات الدفاعية التي تحدد الغايات، والمخاطر، والأدوات، والمعايير.

وفي الحالة السورية، حيث تداخلت التهديدات الداخلية والخارجية مع انهيار الدولة وضعف المؤسسات، تصبح إعادة هندسة السياسات الدفاعية أولوية مركزية في مشروع النهضة، لتثبيت الأمن القومي، وضمان حماية السيادة الوطنية، وبناء بيئة مستقرة تسمح بالانتقال الآمن نحو مستقبل تنموي وسيادي.

أولًا: تعريف السياسة الدفاعية في الدولة السورية الجديدة

يُقصد بالسياسة الدفاعية مجموعة المبادئ والخطط والإجراءات التي تضعها الدولة لتنظيم دفاعها الوطني، حماية لسيادتها وأمنها وسلامة شعبها وأراضيها ومصالحها الحيوية، من خلال الوسائل العسكرية وغير العسكرية، في إطار الشرعية الوطنية والدولية.

وبهذا التعريف تصبح السياسة الدفاعية أوسع من مفهوم الجيش أو المؤسسة العسكرية وحدها، إذ تشمل:

تحديد مصادر التهديد الخارجية والداخلية.

صياغة العقيدة الدفاعية الوطنية.

رسم استراتيجية الردع والدفاع.

تنظيم العلاقة بين السياسة والدفاع.

تفعيل آليات الدفاع الشامل المدني والعسكري.

الانخراط الذكي في المنظومات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالأمن.

ثانيًا: مبادئ السياسة الدفاعية السورية الجديدة

السيادة المطلقة والاستقلال الوطني
بحيث لا تكون سوريا أداة بيد أي قوة أجنبية، ولا مجالًا لصراعات الآخرين.

الالتزام بالدفاع المشروع
وعدم ممارسة أي عدوان أو تدخل في شؤون الدول الأخرى، انسجامًا مع مبادئ القانون الدولي.

أولوية حماية الإنسان السوري
حيث يكون أمن الإنسان، كرامته، حريته، وحقوقه في صميم المفهوم الدفاعي الجديد.

الدمج بين الردع والدبلوماسية
بحيث تكون القوة العسكرية أداة دعم للسياسة، لا بديلًا عنها.

المرونة الاستراتيجية

بحيث تُبنى السياسة الدفاعية على توقع التغيرات في البيئة الدولية والإقليمية والتكيف معها دون الإخلال بالمبادئ الوطنية.

ثالثًا: التحديات التي تواجه بناء السياسة الدفاعية السورية

الإرث التاريخي لعسكرة الدولة
مما يفرض ضرورة الفصل الجذري بين الدفاع كوظيفة وطنية وبين التوظيف السياسي للجيش.

تفكك البنية الأمنية السيادية
نتيجة تعدد الفصائل والميليشيات التي تشكلت أثناء النزاع.

استمرار الاحتلالات والتدخلات الخارجية
من قبل قوى إقليمية ودولية تتوزع على الجغرافيا السورية.

الانقسامات المجتمعية الداخلية
مما يستدعي مقاربة شاملة تعيد بناء الثقة الوطنية.

التغيرات التكنولوجية والعسكرية المتسارعة
التي تفرض تحديث المفاهيم الدفاعية بما يتجاوز الحرب التقليدية إلى الحروب السيبرانية والمركّبة.

رابعًا: مكونات منظومة السياسة الدفاعية السورية

العقيدة الدفاعية الوطنية

تعريف واضح للعدو والتهديد.

تحديد المبادئ التي تحكم استخدام القوة.

استراتيجية الأمن القومي

وثيقة شاملة تربط بين الدفاع والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وتضع أولويات الحماية الوطنية.

القدرة العسكرية الوطنية

تأسيس جيش حديث متوازن وقادر على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية.

الاحتياط الاستراتيجي المدني والعسكري

بناء منظومة دفاع مدني وطنية متكاملة.

آليات القيادة والسيطرة الديمقراطية

إخضاع القرارات الكبرى المتعلقة بالحرب والسلم لرقابة السلطات المنتخبة.

الدبلوماسية الدفاعية

تفعيل أدوات السياسة الخارجية لدعم الأمن والدفاع، وتفادي الحروب كلما أمكن عبر أدوات الضغط الناعم والردع الذكي.

التعاون الإقليمي الانتقائي

الدخول في ترتيبات أمنية إقليمية محددة، تخدم المصالح الوطنية فقط، دون التفريط بالاستقلال.

خامسًا: الخطوات العملية لهندسة السياسة الدفاعية السورية

صياغة وثيقة الأمن القومي السوري الجديد
عبر لجنة سيادية وطنية تضم خبراء مدنيين وعسكريين.

إقرار ميثاق العقيدة الدفاعية السورية
عبر استفتاء شعبي أو إقرار دستوري برلماني واسع.

إنشاء مجلس الأمن والدفاع الوطني
هيئة مدنية–عسكرية عليا تشرف على تنفيذ السياسة الدفاعية وتراقب أداء القوات المسلحة.

تحديث التشريعات العسكرية
لضمان انسجامها مع الدستور الجديد ومعايير حقوق الإنسان.

بناء منظومة ردع وطنية متكاملة
تشمل تطوير قدرات الدفاع الجوي، الدفاع السيبراني، الدفاع البيولوجي والكيميائي، إلى جانب القوات التقليدية.

تعزيز ثقافة الأمن القومي
عبر إدراج مفاهيم الدفاع المدني والأمن الوطني في المناهج التعليمية والإعلام العام.

سادسًا: السياسة الدفاعية في السياق الإقليمي والدولي

التحرر من المحاور الدولية والإقليمية
وعدم الانخراط في تحالفات عدائية تفقد سوريا استقلال قرارها.

الاستثمار الذكي في الحياد الإيجابي
بحيث تصبح سوريا جسرًا إقليميًا للأمن والاستقرار لا ساحة للصراع.

تفعيل الدبلوماسية الوقائية
عبر الانخراط النشط في المنتديات الأمنية الإقليمية والعالمية.

الالتزام بالمعاهدات الدولية ذات الصلة
مع مراجعة أي اتفاقات قُيِّدت بها السيادة السورية بطريقة انتهازية أثناء النزاعات السابقة.

سابعًا: ملامح منظومة الردع الذكي في سوريا الجديدة

اعتماد مبدأ الرد غير المتماثل
لمواجهة التفوق العسكري للخصوم عبر استراتيجيات ذكية ومنخفضة الكلفة.

تطوير قدرات الحرب السيبرانية والمعلوماتية
بوصفها أحد ميادين المواجهة المستقبلية الحاسمة.

تنويع مصادر التسليح والمعرفة التقنية
لضمان عدم الارتهان لمورد واحد، وبناء قاعدة صناعية دفاعية محلية تدريجية.

الاستعداد الدفاعي للتهديدات المركبة
مثل الإرهاب العابر للحدود، الحروب بالوكالة، الهجمات السيبرانية، والتهديدات البيئية ذات الطابع الأمني.

خاتمة الفصل

هندسة السياسة الدفاعية السورية ليست مسألة عسكرية فقط، بل مشروع سيادي شامل،

يتطلب رؤية استراتيجية طويلة المدى، توازنًا بين الأمن والحرية، عقلانية بين القوة والسياسة، وربطًا وثيقًا بين مصالح الدولة وحماية مواطنيها.

إننا في مشروع النهضة لا نؤسس لجمهورية الخوف من جديد، بل نبني جمهورية القوة العادلة، الحامية، الخادمة للأمل، لا القامعة للإنسان.

ومن هنا، فإن إعادة هندسة السياسات الدفاعية هي حجر الزاوية في تثبيت أسس سوريا الجديدة، الحرة، القوية، السيادية.