web analytics
القسم العاشر – الباب الثالث

الفصل العاشر الهوية السورية الجامعة

من خطر التذرر إلى التجدد الحضاري

إعادة بناء الانتماء الوطني على أسس التعدد والانفتاح والفاعلية التاريخية

 أولًا: الإشكالية – من الهوية المصادرة إلى التفكك المعنوي

في ظل عقود من الاستبداد، تم احتكار الهوية الوطنية وتفريغها من مضمونها التعددي–التاريخي، فصيغت كهوية سلطوية تدور حول “الحزب القائد” و”القائد الأبدي” و”الوحدة القسرية”.

وقد أدى هذا إلى:

طمس المكونات المحلية، الثقافية، الطائفية، واللغوية، وإقصائها عن المجال العام.

فرض مفهوم واحد للهوية على مجتمع متعدد فعليًا.

تحوّل الوطنية من شعور حرّ إلى واجب إيديولوجي مسطّح مفروض بالقوة.

وحين سقطت هذه القشرة الزائفة، برز ما تحتها من تذرر عميق، وتفكك في المعاني، وتضارب في الانتماءات، ما جعل سوريا مهددة لا فقط بالانقسام الجغرافي، بل بانفصال مكوناتها الوجدانية عن بعضها البعض.

 ثانيًا: التحديات الكبرى أمام بناء هوية وطنية جامعة

الانقسامات المجتمعية العميقة التي فاقمتها الحرب والانهيار السياسي.

غياب أي عقد رمزي حديث يجمع السوريين حول معنى الانتماء والعيش المشترك.

تضارب الرؤى حول طبيعة الدولة، ومكان الدين، والمكونات الإثنية والثقافية.

تحوّل الانتماء إلى حالة دفاعية–هوياتية بدل كونه شعورًا فعّالًا ومبادرًا.

تسييس الهويات واستخدامها كأدوات نفوذ وصراع بدل أن تكون مجالًا للغنى والتكامل.

 ثالثًا: الرؤية الجديدة – الهوية الجامعة كمنظومة حية ومتجددة

إعادة بناء الهوية الوطنية لا تتم عبر العودة إلى “هوية نهائية مغلقة”، بل عبر:

إنتاج تعريف جديد للانتماء السوري، قائم على التعدد والتاريخ المشترك والتطلع المستقبلي.

توسيع مفهوم الوطنية ليتسع لكل السوريين، بمشاربهم، وخياراتهم، وتجاربهم.

تحويل الهوية من شعار سياسي إلى منظومة ثقافية–اجتماعية–حضارية حية، تُبنى وتتطور.

الربط بين الهوية والكرامة، بين الانتماء والمواطنة، بين التاريخ المشترك والمصير المشترك.

 رابعًا: خطة العمل لبناء الهوية السورية الجامعة

1. إقرار الهوية الجامعة كمبدأ دستوري وسياسي ومجتمعي

تثبيت مفهوم “الهوية الوطنية الجامعة” في الدستور كمنظومة تكامل لا إقصاء.

إلغاء كل المفاهيم السلطوية التي اختزلت الهوية في الانتماء السياسي أو العرقي أو الطائفي.

2. إعادة بناء الرموز الوطنية على قاعدة التعدد

تصميم علم، نشيد، شعارات رسمية تعكس كل المكونات السورية وتُعبّر عن وجدان جامع.

إعادة كتابة السردية الوطنية بتضمين كل المناطق، التضحيات، الثقافات، والهويات الفرعية.

3. إصلاح الخطاب التربوي والثقافي والإعلامي

إدراج مفهوم “الوطنية التشاركية” في المناهج التعليمية.

إنتاج محتوى إعلامي يعكس التنوع السوري الحقيقي، لا يحجبه أو يُشيطنه.

إطلاق مبادرات فنية وأدبية ومجتمعية لتعزيز التفاهم والانتماء المشترك.

4. إلغاء كافة مظاهر التمييز الرمزي أو المؤسسي

منع كل أشكال التمييز على أساس الهوية ضمن مؤسسات الدولة.

مراجعة القوانين واللوائح الرسمية التي تستبطن تصورًا إقصائيًا عن الانتماء أو الولاء.

حماية التنوع الديني والثقافي واللغوي ضمن الهوية الجامعة، لا ضدّها.

5. ربط الهوية الوطنية بالمشروع الحضاري السوري القادم

تقديم الهوية الوطنية بوصفها بوابة للنهضة، لا قيدًا على الانفتاح أو الاختلاف.

تأكيد ارتباط الانتماء السوري بالحرية والكرامة والسيادة والمشاركة، لا بالطاعة أو الخوف.

إشراك الشتات السوري في بناء الهوية من خلال ربطهم بالمشروع الوطني وحقهم في المشاركة والانتماء.

 خامسًا: الخطة التنفيذية المرحلية

  • المرحلة الأولى (أشهر 0–12)

تشكيل اللجنة العليا لإعادة تعريف الرموز والهوية الوطنية.

إصدار الميثاق الوطني للهوية الجامعة.

إطلاق مشاورات مجتمعية موسعة حول معاني الانتماء ورؤية المستقبل.

  • المرحلة الثانية (سنة 1–3)

إدراج مفهوم الهوية الجامعة في جميع القطاعات التربوية والإعلامية والثقافية.

تدشين حملات وطنية للإدماج المجتمعي.

إصدار تقرير سنوي عن حالة الهوية والانتماء في مختلف المناطق والفئات.

  • المرحلة الثالثة (ما بعد 3 سنوات)

تحويل الهوية الجامعة إلى أساس للسياسات العامة، خاصة في الإدماج، المواطنة، التعليم، والتمثيل.

تقييم وتحديث مستمر لمؤشرات التماسك والاندماج الوطني.

توثيق نجاحات المشروع السوري في تحقيق الانتماء عبر اختلافاته.

سادسًا: الهوية الجامعة كشرط لقيام الدولة وانبثاق المجتمع

لا يمكن لدولة أن تنهض على أرض منقسمة نفسيًا، ولا يمكن لمجتمع أن يتماسك بلا وعي جمعي مشترك.
وفي سوريا الجديدة، لن تكون الهوية الوطنية قميصًا واحدًا مفروضًا على الجميع، بل فضاءً مفتوحًا للانتماء، يتسع لكل أبناء البلد، ويعبّر عنهم، ويصونهم، ويعكس تنوعهم ضمن مشروع سيادي حضاري جامع.

فالهوية الجامعة ليست تكرارًا لهوية سلطوية سابقة، بل إبداع جديد يُبنى على الذاكرة، يُنقّحها، ويؤسس لحضور سوري موحّد في التاريخ المعاصر، قادر على الإلهام، لا على الاستسلام.