web analytics
القسم الثاني – الباب الأول

الفصل العاشر المعرفة والوعي في مشروع النهضة

من الجهل المؤدلج إلى التفكير التحرري

مدخل فلسفي–معرفي:

كل الطغاة يخافون من سؤال بسيط: لماذا؟
لأن هذا السؤال هو بداية الانهيار.
ولهذا، فإن أول ما تفعل الأنظمة الاستبدادية حين تُمسك بالحكم…
هو خنق العقل.
تحويل المدرسة إلى مصنَع طاعة،
والجامعة إلى امتداد أمني،
والإعلام إلى مسرح دعاية،
والمجتمع إلى بيئة طاردة للتفكير، مطيعة للصوت الأعلى.

وفي سوريا، لم يكن الجهل مجرد نتيجة للضعف،
بل كان سياسة مقصودة، ووسيلة حكم.
ولذلك، فإن مشروع النهضة لا يمكن أن يُبنى من دون تحرير المعرفة،
وتحرير العقل،
وتأسيس ثقافة وعي قادرة على بناء الفعل،
ومواجهة التزييف،
واستعادة الإنسان لعلاقته الأولى بالحقيقة.

أولًا: صناعة الجهل – كيف تم تفريغ الإنسان من الوعي؟

كان هدف السلطة السورية واضحًا منذ البداية:
لا خطر يُهددها أكثر من إنسان يفكّر.

لذلك:

  • تم تعليب التعليم في قوالب الأدلجة والتمجيد،
  • مُنع النقد من كل مراحل التعليم،
  • غُيّب الفلاسفة والعقلانيون من المناهج،
  • صُدّرت ثقافة الحفظ لا الفهم،
  • وقُطعت العلاقة بين المعرفة والواقع.

أما الإعلام، فكان:

  • ناطقًا باسم السلطة،
  • مروّجًا للخوف،
  • مُعادٍ للحقيقة،
  • وساخرًا من الفكر.

وهكذا، نشأ إنسان يخاف من السؤال، ويشكّك في الحقيقة، ويستهين بالمعرفة، ويتجنّب التفكير.
وهذا هو “الإنسان–الجاهز للحكم”،
لا الإنسان–النهضوي.

ثانيًا: المعرفة كأداة للتحرر – ليست للزينة، بل للفعل

في مشروع النهضة، لا نُعلي من شأن المعرفة بوصفها ترفًا نخبويًا،
بل نُعيد تعريفها بوصفها:

           أداة تحرر،
           وسلاح وعي،
           ومجال مقاومة،
           وشبكة بناء للفرد والمجتمع والمؤسسات.

ولهذا، فإن تحرر الإنسان يبدأ حين:

  • يعرف كيف يقرأ العالم،
  • ويمتلك أدوات التفكير،
  • ويُفرّق بين الحقيقة والدعاية،
  • ويتصل بالواقع لا بالأسطورة،
  • ويعرف أن الفكر ليس رفاهية… بل ضرورة للكرامة.

ثالثًا: بناء الوعي الجمعي – من الخضوع إلى المشاركة النقدية

المجتمع السوري اليوم، بعد كل ما مرّ به،
لا يحتاج فقط إلى “مساعدات” أو “انتخابات”،
بل إلى وعي جديد.

وعي:

  • يرفض التبسيط،
  • ويُشكّك في الشعارات،
  • ويطرح الأسئلة بدل أن يردّد الإجابات،
  • ويُعيد تشكيل علاقته بالسلطة، والدين، والتاريخ، والذات.

ولهذا، فإن مشروع النهضة يجب أن يتضمّن:

  1. ثورة معرفية حقيقية داخل التعليم والإعلام والثقافة.
  2. نشر أدوات التفكير النقدي في المدرسة والمسجد والمجتمع.
  3. إعادة اعتبار الفلسفة، والتاريخ النقدي، وعلم الاجتماع بوصفها أدوات بناء وعي لا تهديدًا للوحدة.
  4. تمكين الأجيال الجديدة من سؤال: من نحن؟ ولماذا؟ وكيف نُغيّر؟
  5. حماية حرية التفكير من وصاية الأيديولوجيا والدين والسياسة.

رابعًا: المعرفة بوصفها رافعة السيادة – لا سيادة بلا وعي

قد نحرر الأرض…
لكننا سنخسرها ثانية إن لم نُحرر العقل.

وقد نُنتج دستورًا…
لكننا سنُجهضه إن لم يُدرك الناس وظائفه، وحدوده، ومعناه.

لذلك، فإن السيادة لا تكتمل بدون وعي:

  • يُميّز بين المصلحة الوطنية والمصلحة السلطوية،
  • يرفض الخضوع لمحاور خارجية،
  • يُطالب بتمثيل حقيقي،
  • ويرى أن المعرفة جزء من السيادة،
    وليست فقط الثقافة جزءًا من الهوية.

خامسًا: أدوات بناء مجتمع المعرفة – لا شعارات بل بنية متكاملة

  1. إصلاح التعليم جذريًا: من آلية تلقينية إلى مشروع تحرري نقدي.
  2. إعلام حر–معرفي: ينتج المعنى، لا يُسوّق الخوف.
  3. منابر نقاش مجتمعية مستقلة: تجمع الأكاديميين، والطلاب، والعامة.
  4. إعادة الاعتبار للغة والبحث والتفكير: كأدوات لبناء الوعي، لا كمجالات زينة.
  5. حماية الفضاء الثقافي من الرقابة والاختراق السلطوي أو الديني أو الخارجي.

خاتمة الفصل وختام الباب الأول : من الجهل المؤدلج إلى المعرفة المُحرّرة

النهضة لا تبنى على الأرض فقط،
بل تُبنى في العقول أولًا.

وما لم نُحرر المعرفة من وصايتها،
ونُعيد الإنسان إلى مركز التفكير،
ونبني وعيًا لا يتبع… بل يسأل،
فسنبقى نعيد إنتاج الانهيار في أشكال مختلفة.

المعرفة، في مشروعنا، ليست فرعًا من الفلسفة،
بل هي الفلسفة كلها:
أن يعرف الإنسان من هو، وماذا يريد،
ولماذا يرفض أن يُقاد إلى مصيره بعينين مغمضتين.