web analytics
القسم الثاني – الباب الثاني

الفصل الثالث عشر التعليم في مشروع النهضة

من التلقين السلطوي إلى التربية التحررية

مدخل فلسفي–معرفي

التعليم ليس مجرد نظام مدارس وجامعات،
ولا خطة حكومية لتلقين المناهج،
بل هو الفضاء الذي يُصاغ فيه وعي المجتمع،
وتُبنى فيه شخصية الإنسان،
ويُرسّخ فيه معنى الحرية أو الطاعة،
النقد أو الامتثال،
المبادرة أو الاستسلام.

ولهذا، فإن التعليم هو الرافعة الكبرى للنهضة،
أو الآلية الأخطر لإعادة إنتاج الاستبداد،
بحسب الفلسفة التي تقف خلفه.

في سوريا، لم يكن التعليم مشروعًا لتحرير الإنسان،
بل أداة لترويضه،
ووسيلة لتعميم ثقافة الخضوع،
تحت عناوين قومية أو دينية أو وطنية زائفة،
تخفي وراءها منهجًا سلطويًا لا يعترف بالحق في التفكير.

ومن هنا، يبدأ مشروع النهضة من نقض التعليم السلطوي،
وتأسيس تعليم تحرري، معرفي، نقدي،
يرى في الطالب إنسانًا، لا رقمًا في سجلات النجاح،
وفي المعلّم شريكًا في بناء العقل، لا مكرّسًا للصوت الأعلى.

أولًا: تشريح منظومة التعليم – من المعرفة إلى التعبئة

بناء على ما حلّلناه في القسم الأول، نُلاحظ:

  • المناهج الدراسية صُمّمت وفق رؤية أيديولوجية صارمة، تمجّد الحاكم وتُقصي التفكير النقدي.
  • اللغة التعليمية جامدة، رسمية، منفصلة عن الحياة اليومية والفكر الحي.
  • المعلم تابع إداري لا حامل رسالة.
  • المؤسسات التعليمية تخضع للأمن أكثر مما تخضع لمعايير الجودة.
  • الجامعات أصبحت أداة تصنيف طبقي، أو بوابة للهجرة، لا مركزًا لإنتاج المعرفة.
  • المدارس بيئات طاردة، لا جاذبة، تغيب فيها البنية، وتُفرَغ من الروح.
  • غياب التعليم المهني والتقني حوّل الطاقات العملية إلى فائض عطالة.

النتيجة:

أجيال لا تفهم، بل تحفظ.

لا تسأل، بل تكرّر.

ولا تصنع مستقبلها… بل تهرب منه..

وهكذا، تحوّلت المدارس إلى مصانع إنتاج موالين،
لا مواطنين،
والجامعات إلى أدوات إعادة إنتاج السلطة،
لا مؤسسات تفكير مستقل.

ثانيًا: فلسفة التعليم في مشروع النهضة – الإنسان الحر في قلب المعادلة

في مشروع النهضة، نُعيد تعريف التعليم بوصفه:

عملية تحرر معرفي–أخلاقي، تهدف إلى بناء إنسان واعٍ بذاته، شريك في مجتمعه، قادر على النقد والمبادرة، وحامل لقيم الكرامة، لا الخوف.”

ولذلك، فلسفة التعليم لدينا تقوم على:

  • مركزية الطالب ككائن حر، لا متلقٍ صامت.
  • دور المعلّم كمرشد وفاعل فكري وأخلاقي، لا مراقب ومؤدلج.
  • اعتبار المدرسة حقلًا للتنوع والنقاش والمعنى، لا قفصًا للتطابق.
  • جعل المنهاج وسيلة لطرح الأسئلة، لا لتلقين الإجابات.
  • التعليم في مشروع النهضة ليس فقط وسيلة لاكتساب المهارات،

بل هو البنية التحتية الكبرى للعقل والهوية والسيادة.

ثالثًا: أهداف التعليم النهضوي – من الامتثال إلى التكوين

نطمح إلى تعليم يُنتج جيلًا:

  1. يفكّر بحرية ويشكّل رأيه بوعي.
  2. يفهم تاريخه نقديًا، لا يُقدّسه ولا يمحوه.
  3. يتصل بواقعه، ويُدرك معضلاته، ويبحث عن حلول واقعية لها.
  4. يحترم التعدد، ويعرف كيف يحاور المختلف دون أن ينفيه.
  5. يتعامل مع المعرفة كحق وواجب، لا كوسيلة للنجاة الوظيفية فقط.

رابعًا: المبادئ التأسيسية لمنظومة تعليمية نهضوية

  1. المعرفة حقّ لكل فرد، لا امتياز طبقي أو مناطقي.
  2. الحرية الأكاديمية مقدّسة: للمعلم، والطالب، والمؤسسة.
  3. المنهاج التعليمي يُبنى على التفكير النقدي، لا التلقين.
  4. المعرفة العملية والعلمية جزء من كل مرحلة، لا ملحق ثانوي.
  5. التعليم المهني والفني ركيزة لا بديل عنها لبناء الاقتصاد.
  6. المحتوى التربوي يجب أن يُجسّد التعدد والانتماء والعدالة، لا التماثل والخضوع.
  7. التعليم لا ينعزل عن المجتمع، بل يتفاعل معه: مشاريعه، بيئته، قضاياه.

خامسًا: عناصر التغيير الجذري في المنظومة التعليمية

  1. تحرير المناهج من التوظيف السياسي والديني، وإعادة بنائها على أسس معرفية عقلانية.
  2. إدراج الفلسفة، المنطق، الفكر النقدي، علم النفس، والعلوم الاجتماعية منذ المراحل المبكرة.
  3. بناء نظام تربوي تشاركي يجعل من الطالب والمعلّم شريكين في إنتاج المعنى.
  4. تحويل المدرسة إلى فضاء مدني لا يُخضع التلميذ بل يُمكّنه.
  5. استقلال الجامعات عن الوصاية الأمنية والسياسية، وربطها بالبحث العلمي والمجتمع.
  6. تجديد نظام تأهيل المعلّمين ليصبحوا حاملي مشروع تربوي، لا منفذين لأوامر فوقية.
  7. دمج التربية القيمية المدنية في كل مراحل التعليم، دون تلقين أيديولوجي.
  8. ربط التعليم بالاقتصاد الحقيقي: عبر شراكات مع المجتمع والمؤسسات
  9. ضمان الوصول إلى التعليم في الريف والمناطق المهمشة.
  10. استخدام التكنولوجيا والمحتوى الرقمي لإعادة هندسة التعليم وتحقيق العدالة.

سادسًا: التعليم كأداة للعدالة والتمكين

لا يمكن الحديث عن تعليم نهضوي دون عدالة تعليمية:

  • الحق في الوصول إلى التعليم الجيد في كل منطقة.
  • إلغاء الفوارق الطبقية في التعليم بين الخاص والعام.
  • ضمان التعليم المجاني الأساسي كحق غير قابل للتفاوض.
  • دعم الفتيات، وذوي الإعاقة، وسكان الأرياف والمناطق المهمّشة.
  • إدماج اللاجئين والنازحين في خطة تعليم وطنية موحّدة وعادلة.

سابعاً: التعليم لبناء السيادة – من الاعتماد إلى الاكتفاء

في دول الاستبداد، التعليم يُفصَل عن السيادة،
ويُحوّل إلى عملية استيراد جاهزة، أو مخرجات رخيصة لسوق غير منتج.

في مشروع النهضة، نربط التعليم بالسيادة:

  • فالتعليم هو الحاضنة الكبرى للاقتصاد الوطني المستقل.
  • وهو قاعدة الوعي السياسي، والمواطنة، والانتماء.
  • وهو الوسيلة الوحيدة لتحصين المجتمع من التطرف، والخرافة، والانقياد.
  • لا دولة سيادية إذا كانت عقول أبنائها مُخترقة أو مكمّمة.
  • ولا اقتصاد منتج دون تعليم يحرّر الطاقات
  • ولا مجتمع عادل دون تعليم يُنصف المرأة، ويُمكّن المهمّشين
  • ولا ديمقراطية بدون أجيال تعرف كيف تُفكّر، لا فقط كيف تصوّت

خاتمة الفصل: التعليم كمعركة تحرر – لا مهنة ولا وظيفة

لا مشروع نهضوي ينجو،
ما لم يكن التعليم في قلبه.

ولا دولة حديثة تقوم،
ما لم يكن التعليم حُرًا، ومُحرّرًا، ومحرِّرًا.

وفي فلسفتنا، المدرسة هي المكان الأول الذي يُولد فيه الإنسان السيادي،
والجامعة هي المختبر الذي تتكوّن فيه قدرته على التفكير،
والمعلّم هو الفاعل الأول في بناء الإنسان الجديد.

إذا أردنا أن نبني سوريا المستقبل،
فإن أول الحجارة يجب أن تُوضع في المدرسة،
لا في الديوان،
وفي عقل الطفل،
لا في صراعات السلطة.

في مشروع النهضة،
لا نرى في التعليم “ملفًا وزاريًا”،
بل نراه الوطن نفسه…
الوطن الذي لم يُبنَ بعد.

لأن كل ما يُكتب في الدستور،
وكل ما يُصاغ في السياسة،
وكل ما يُقرّر في الاقتصاد،
لن يُحمل إلى المستقبل إلا بعقلٍ تعلّم كيف يفكّر،
وكيف يُحبّ،
وكيف يشارك في صنع المعنى.

فقط حين تُبنى المدرسة بوصفها بيتًا للكرامة،
والجامعة بوصفها مساحةً للحرية،
والمعرفة بوصفها شرطًا للسيادة…
يمكن أن نقول إننا نزرع النهضة في الجذور،
لا نرسمها على الورق.