web analytics
القسم الثامن – الباب الثالث

الفصل الثالث عشر منظومة الطوارئ الوطنية

إدارة الأزمات وفق مبادئ السيادة والدستور

مقدمة تمهيدية:

لطالما ارتبطت حالة الطوارئ في سوريا بمشهد الخوف: اعتقالات بلا إذن، قوانين مُجمّدة، سلطات مطلقة، وتحوّل الدولة إلى جهاز أمني مطلق الصلاحية. لكن الدولة السيادية لا تُبنى على الخوف، بل على القدرة المؤسسية على الاستجابة، والتعامل مع المخاطر بنظام دستوري يحمي الأمن دون أن يُسقط الحقوق.

ولهذا، فإن إعادة بناء منظومة الطوارئ في سوريا لا يجب أن تعني منح صلاحيات استثنائية للسلطة، بل إنشاء نظام طوارئ وطني مدني، متعدد المستويات، يُدار بمركز سيادي مستقل، ويعمل وفق خطة متدرجة قائمة على القانون، والمساءلة، والجاهزية الدائمة.

أولًا: الفلسفة الجديدة للطوارئ – من التفويض المطلق إلى البنية المؤسسية

الطوارئ ليست حالة حكم، بل حالة إدارة استثنائية مؤقتة محكومة بالقانون؛

الاستثناء لا يعلو على الدستور، ولا يلغي المراقبة، ولا يجمّد الحقوق الأساسية؛

الأزمات يجب أن تُواجه بأدوات الدولة لا بهدمها، وبالمعرفة لا بالهلع، وبالشفافية لا بالسرية.

ثانيًا: تشكيل الهيئة الوطنية للطوارئ وإدارة الأزمات

  1. التكوين والوظيفة:

تُنشأ الهيئة الوطنية للطوارئ وإدارة الأزمات كمؤسسة مستقلة تتبع مباشرة رئاسة الحكومة، وتُنسق مع الوزارات السيادية والبرلمان.

وظيفتها الأساسية:

رصد المخاطر؛

التنسيق بين الأجهزة؛

إصدار أوامر التعبئة المدنية؛

تشغيل نظم الإنذار المبكر؛

مراقبة الأداء الميداني خلال الكوارث أو حالات الطوارئ السياسية أو الصحية أو البيئية.

  1. البنية الداخلية:

مركز عمليات وطني دائم؛

غرف طوارئ متخصصة (صحية، أمنية، بيئية، خدمية، سيبرانية)؛

وحدة استخبارات مدنية لإدارة البيانات؛

فريق استجابة ميدانية؛

دائرة مراقبة الالتزام الدستوري في الإجراءات الاستثنائية. 

ثالثًا: نظام إعلان الطوارئ وإجراءاتها الدستورية

حصر صلاحية إعلان حالة الطوارئ برئاسة الحكومة بعد تصويت الأغلبية في البرلمان؛

تحديد الطوارئ زمنيًا (لا تتجاوز 30 يومًا قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط)؛

خضوع جميع التدابير المتخذة خلال الطوارئ لمراجعة لاحقة من المحكمة الدستورية العليا؛

حظر اتخاذ إجراءات تمسّ الحقوق الأساسية غير القابلة للتعطيل (الحق في الحياة، المحاكمة العادلة، الحماية من التعذيب، حرية الاعتقاد)؛

فرض رقابة برلمانية حثيثة خلال كامل مدة الطوارئ، مع تقارير يومية إلزامية من الهيئة الوطنية للطوارئ.

رابعًا: وحدات التدخل والطوارئ الخدمية

تُنشأ وحدات مدنية متخصصة في كل محافظة، تكون تابعة إداريًا للهيئة الوطنية، وتشمل:

فرق الإنقاذ والإجلاء؛

الدعم النفسي–الاجتماعي؛

الطوارئ الطبية؛

الخدمات العاجلة (مياه – كهرباء – غذاء)؛

إدارة الحشود والأمن المجتمعي دون تدخل قمعي.

تُفعل هذه الوحدات بشكل تدريبي دائم، ويتم تحديث جاهزيتها كل ستة أشهر.

خامسًا: نظام الإنذار المبكر والإدارة المعلوماتية للأزمات

تُطلق منصة سيادية رقمية مخصصة لتقييم المخاطر وتنبيه المواطنين (زلازل – أوبئة – فوضى أمنية – تسريبات سيبرانية – تهديدات بيئية).

تُربط المنصة ببيانات مركزية مستقاة من البلديات، الأجهزة الأمنية، المستشفيات، مؤسسات البنية التحتية، ومراكز المعلومات الوطنية.

تُفعّل تقارير شبه فورية تُنشر بشفافية، لضمان التفاعل العام وعدم الانزلاق إلى الإشاعات أو التعتيم.

سادسًا: خطة التنفيذ المرحلي

إقرار قانون حالة الطوارئ الجديد، يُلغى بموجبه القانون القديم لعام 1962 وجميع مشتقاته؛

إنشاء الهيئة الوطنية للطوارئ خلال 3 أشهر من بدء المرحلة الانتقالية؛

إعداد خطة وطنية شاملة لإدارة الأزمات والطوارئ خلال 6 أشهر، بمشاركة جميع المحافظات؛

إجراء أول تدريب وطني لمحاكاة الأزمات الكبرى في السنة الأولى؛

إصدار دليل حقوق المواطن أثناء الطوارئ، يُنشر ورقيًا ورقميًا ويوزّع على كل دوائر الدولة ومؤسسات المجتمع المدني.

خاتمة الفصل:

لا يمكن لدولةٍ أن تكون سيادية إن كانت عاجزة أمام الأزمات، ولا يمكن للأمن أن يتحقّق إن كان يُدار بعقلية الطوارئ الدائمة.

ومن خلال تأسيس منظومة وطنية للطوارئ محكومة بالدستور، ومبنية على الجاهزية والشفافية والمسؤولية، نكون قد أغلقنا الباب أمام فوضى الاستثناء، وفتحنا الباب أمام دولة تقاوم الأزمات، لا تُنتجها، وتخدم مواطنيها بدل أن تتسلّط عليهم.