web analytics
القسم الثاني – الباب السادس

الفصل الثالث والثلاثون رجال الأعمال السوريون ودورهم في دعم النهضة

من الرأسمال الريعي إلى الاستثمار الوطني المسؤول

مدخل فلسفي–اقتصادي–وطني

المال ليس دائمًا أداة نهب…
ولا رأس المال خصمًا تلقائيًا للعدالة.
ففي السياق الصحيح،
وفي الإطار الأخلاقي–القانوني،
يمكن للثروة أن تكون رافعة للكرامة، لا عائقًا أمامها.

وفي سوريا، حيث سقطت الدولة وتفسّخ الاقتصاد،
برز سؤال الثروة بوصفه سؤالًا وجوديًا:
هل نعيد إنتاج الرأسمالية الريعية التي أفسدت البلاد؟
أم نؤسس لعلاقة جديدة بين المال والمجتمع،
قائمة على المسؤولية، لا الامتياز…
وعلى الشراكة، لا التبعية؟

لهذا، فإن رجال الأعمال السوريين ليسوا خارج مشروع النهضة،
بل هم جزء منه… إن قرروا أن يكونوا شركاء لا مستفيدين،
وأن يستثمروا في الناس، لا في الولاء.

أولًا: من اقتصاد الغنيمة إلى المال كأداة استقرار ونهضة

لقد كان الاقتصاد السوري، لعقود، قائمًا على:

  • الريعية السياسية: ثروة مقابل الولاء.
  • الفساد المُنظّم: حيث الامتياز لا يُمنح للكفاءة، بل للقرب من مركز السلطة.
  • الاحتكار: سوق مغلقة، تُدار عبر تحالف الأجهزة والواجهة التجارية.
  • التهرب الضريبي والتبييض: لا حساب، ولا مساءلة، ولا شفافية.
  • استثمار في الاستهلاك… لا في الإنتاج.

وكان رجال الأعمال – إلا القلة – جزءًا من هذا الخراب.
لكن السقوط منح فرصة تاريخية:
إعادة تعريف المال، وإعادة ربطه بالوطن… لا بالحاكم.

ثانيًا: رجال الأعمال السوريون في المنفى – بين النأي والانتماء

عشرات الآلاف من المستثمرين السوريين فرّوا من آلة الفساد أو من جحيم الحرب.
بعضهم:

  • بنى تجارب ناجحة في الخليج وتركيا وأوروبا.
  • أثبت كفاءته في الأسواق العالمية.
  • خلق فرص عمل لآلاف السوريين في الشتات.

لكن رغم كل ذلك، ظل معظمهم خارج دائرة التأثير الوطني،
إما لأنهم لا يثقون بالسلطة،
أو لأن أحدًا لم يُنصت إليهم،
أو لأنهم لا يرون نموذجًا سياسيًا يستحق المجازفة لأجله.

اليوم، ومع إعادة بناء الدولة على أسس جديدة،
تُفتح أمامهم نافذة للمساهمة في مشروع سيادي–تنموي،
إذا طُرحت الشراكة لا الاستغلال،
والضمانات لا الابتزاز.

ثالثًا: فلسفة الاستثمار الوطني المسؤول – من المال كسلطة إلى المال كالتزام

لا يعني “دور رجال الأعمال” أن نعيد إنتاج السلطة الاقتصادية كما كانت،
ولا أن نضع رأس المال فوق القرار،
بل أن نعيد بناء العلاقة وفق الفلسفة التالية:

  1. المال ليس غاية، بل وسيلة لتحقيق الكرامة المجتمعية.
  2. الربح مشروع، لكنه لا يُبرر الاستغلال أو الإفساد.
  3. الدولة لا تعادي رأس المال، لكنها لا تَدين له بالطاعة.
  4. رجال الأعمال جزء من التعاقد الاجتماعي، لا فوقه.
  5. المستثمر الوطني هو من يربط مصيره بنهضة وطنه، لا فقط بأسواقه.

رابعًا: آليات إدماج رأس المال في النهضة السورية

نقترح في هذا المشروع منظومة متكاملة لدمج رجال الأعمال الوطنيين في عملية النهضة:

  1. بنية قانونية جديدة للاستثمار الأخلاقي
  • تشريعات واضحة، عادلة، شفافة، بعيدة عن الابتزاز.
  • حماية قانونية حقيقية للمستثمرين النزيهين.
  • منع الاحتكار، وربط الامتياز بالإنتاج.
  1. مجالس اقتصادية تشاركية
  • تضم رجال أعمال مستقلين، وممثلين عن النقابات والعمال والمجتمع المدني.
  • تكون شريكة في رسم السياسات الاقتصادية.
  • وتمنح القطاع الخاص دورًا حقيقيًا ضمن حدود السيادة والتنمية.
  1. إعادة الإعمار بيد وطنية مسؤولة
  • فتح الباب لمشاركة رجال الأعمال في إعادة إعمار البلد ضمن إطار أخلاقي–مؤسسي.
  • إلزام المشاريع الكبرى بتوظيف السوريين، وضمان حقوقهم، وتحقيق العدالة التنموية.
  1. صندوق سيادي وطني
  • يُشارك فيه رجال الأعمال باختيارهم.
  • يُدار بشفافية مطلقة.
  • يُخصص لدعم المشاريع الصغيرة، وإعادة إعمار المدارس والمشافي، وتأهيل المتضررين.

خامسًا: الشروط السياسية–الرمزية لعودة رجال الأعمال

لا يكفي تعديل القوانين…
يجب إعادة بناء الثقة، وهذا لا يتم إلا بـ:

  • دولة لا تُلاحق المستثمر بل تحميه من الفساد.
  • سلطة لا تطلب شراكة الولاء بل شراكة البناء.
  • نموذج سياسي يُقنعهم أن سوريا تغيّرت فعلًا.
  • إعلام يكفّ عن شيطنة رأس المال أو تمجيده… ويبدأ بمساءلته.
  • نخبٌ جديدة تفهم أن رجال الأعمال جزء من الوطن، لا عبء عليه.

خاتمة الفصل: رأس المال حين يكون وطنيًا… يصبح رافعة لا عبئًا

لا يمكن الحديث عن نهضة دون أدوات.
ولا يمكن بناء اقتصاد دون شركاء.
ولا يمكن أن تنهض سوريا إذا بقي المال في المنفى، أو في السر، أو في يد الفساد.

ولهذا…
فإننا لا نقدّم لرجال الأعمال “دعوة للعودة فقط”،
بل نطرح عليهم مسؤولية وجودية:

هل تختارون أن تكونوا جزءًا من التاريخ…
أم تبقون في الهامش؟
هل تختارون أن تبنوا وطنًا…
أم تكتفوا بحسابات الأمان؟

إن المال، في النهاية،
إما أن يكون أداة للتغيير…
أو وسيلة لتأبيد التبعية.

وفي مشروع النهضة…
نريد شراكة حرة، مشروعة، وطنية، مسؤولة
تبني، لا تتملك…
تُسهم، لا تهيمن…
وتنتمي… لا تبتز.