web analytics
القسم العاشر – الباب الثالث

الفصل الثاني عشر التربية المستمرة

من التعلم إلى التنشئة على قيم النهضة

تأسيس منظومة تربوية متكاملة تؤهّل الإنسان السوري ليكون فاعلًا وحرًا وشريكًا في بناء الدولة والمجتمع

 أولًا: الإشكالية – من التعليم التلقيني إلى القطيعة التربوية

لم يكن النظام التربوي في سوريا مجردًا من الكفاءة فحسب، بل كان قائمًا على إنتاج الطاعة وتكريس الخضوع وإفراغ الإنسان من حسّه النقدي والمواطني.
ومن أبرز سماته:

مناهج مفرغة من الحياة والواقع، تُكرّس الحفظ وتُحارب التفكير.

مركزية مطلقة تُفرغ المدرسة من بعدها المجتمعي وتُخضعها لوزارة فوقية.

تحويل التعليم إلى عملية تصنيف اجتماعي وإقصاء مبكر للفئات المهمشة.

تغييب الوعي السياسي، والهوية الثقافية الحقيقية، والتربية المدنية، والانفتاح العالمي.

والنتيجة كانت أجيالًا مثقفة شكليًا، لكنها مُستلبة ذهنيًا، وخائفة وجدانيًا، وعاجزة وظيفيًا.

 ثانيًا: التحديات البنيوية أمام إعادة بناء المنظومة التربوية

فقدان الثقة بالمدرسة والجامعة كمصدر للتحرر والتمكين.

تضخّم الفجوة بين النظام التعليمي وسوق العمل والمجتمع.

انهيار البنية التحتية، والتفاوت الجغرافي الحاد في الوصول إلى التعليم.

انفصال التربية عن المواطنة، والكرامة، والانتماء النقدي.

افتقار النظام إلى أي بعد تشاركي، تشارعي، أو استباقي في التكوين الشخصي للطلاب.

 ثالثًا: الرؤية الجديدة – التربية كعملية مستمرة لتحرير الإنسان

إعادة بناء المنظومة التربوية لا تعني تجميل المناهج أو زيادة عدد المدارس، بل تعني تأسيس مسار حياة متكامل يُربّي الإنسان على قيم النهضة: الحرية، المسؤولية، العدالة، المشاركة، السيادة، والانتماء.

والتربية هنا ليست مرحلة عمرية، بل:

مسار يرافق الإنسان من الطفولة إلى الشيخوخة.

ممارسة مجتمعية–مؤسسية تدمج بين المدرسة والأسرة والشارع والإعلام والعمل.

أداة لتكوين إنسان فاعل، حرّ، منتج، نقدي، منفتح، مسؤول.

رابعًا: خطوات العمل لبناء منظومة تربوية نهضوية متكاملة

1. تحديد فلسفة تربوية جديدة واضحة ومعلنة

صياغة رؤية وطنية للتربية مرتبطة بالمشروع النهضوي السوري.

إعلان القيم العليا للتعليم: الكرامة – المواطنة – التفكير – العدالة – الانتماء – الانفتاح.

دمج هذه الفلسفة في كل مستويات القرار التربوي: المناهج، الإدارة، التقييم.

2. إصلاح المناهج جذريًا على أساس التفكير النقدي والتربية المدنية

إزالة كل المواد والمضامين ذات الطابع التمجيدي أو الإقصائي أو السلطوي.

إدخال مضامين تُدرّب على التحليل، الحوار، التعدد، التجريب، والتفكير المستقل.

إدراج التربية السياسية، والقانونية، والمجتمعية، والبيئية، ضمن كل المراحل.

3. تحرير البنية المؤسسية للتعليم من المركزية والتحكم

نقل صلاحيات التخطيط التربوي تدريجيًا إلى المحافظات والمجالس التعليمية المحلية.

تعزيز استقلالية المدارس والجامعات ضمن أطر قانونية واضحة.

دمج المجتمع المحلي في رسم السياسات التربوية، لا فقط تنفيذها.

4. تحويل المدرسة إلى مركز مجتمعي للتعلم والحياة

توسيع دور المدارس لتشمل الأنشطة الثقافية، الفنية، البيئية، والتشاركية.

تشجيع التعليم التشاركي القائم على المشاريع والتجارب لا المحاضرات.

تمكين المعلمين كفاعلين تربويين ومجتمعيين، لا موظفين إداريين.

5. ترسيخ مفهوم التربية المستمرة والتعلم مدى الحياة

إنشاء مؤسسات تعليم غير نظامي مفتوحة للكبار والمتسربين والفئات الخاصة.

إدخال التربية المهنية، والتقنية، والرقمية، في كل المراحل التعليمية.

دعم مبادرات التعليم الذاتي، والمنصات المفتوحة، والتعلّم القائم على المجتمعات.

خامسًا: الخطة التنفيذية المرحلية

  • المرحلة الأولى (أشهر 0–12)

إصدار الوثيقة الوطنية لفلسفة التربية السورية الجديدة.

إطلاق مراجعة شاملة للمناهج وإلغاء كل المواد السلطوية أو الإقصائية.

تشكيل المجالس المحلية للتربية في المحافظات.

  • المرحلة الثانية (سنة 1–3)

بدء تطبيق المناهج الجديدة في الصفوف الابتدائية والإعدادية.

افتتاح أول مراكز التعليم المستمر ومحو الأمية الوظيفية.

بدء تدريب الكوادر التعليمية على المقاربات التربوية الحديثة.

  • المرحلة الثالثة (ما بعد 3 سنوات)

تعميم التعليم التشاركي والتقني والمهني كمسارات رئيسية.

إدراج مؤشرات “التحوّل التربوي” ضمن تقارير الحكومة والمجالس المحلية.

مراجعة دور التربية في بناء المواطن النهضوي، وتحديث المسارات بناء على التغذية الراجعة.

 سادسًا: التربية بوصفها حجر الأساس في مشروع الإنسان النهضوي

لا يمكن الحديث عن نهضة سورية دون تحوّل جذري في البنية التربوية والثقافية والمعرفية، إذ إن مشروع الإنسان السيادي المنتج يبدأ من أول مقعد دراسي، ومن أول فكرة يتعلّم أن يسأل عنها لا أن يحفظها.

وفي سوريا الجديدة، لن تكون المدرسة مؤسسة إنتاج شهادات، بل ورشة تشكيل للكرامة، ومحرّكًا للوعي، ومنصة لتكوين الإنسان القادر على البناء والنقد والشراكة والمسؤولية.