القسم الثامن – الباب الثالث
الفصل الثاني عشر إعادة هيكلة جهاز الأمن الداخلي
من الأمن السياسي إلى الأمن المجتمعي
مقدّمة تمهيدية:
في التجربة السورية، لم يكن جهاز الأمن الداخلي مؤسسة لحماية الدولة، بل كان بنية موازية للدولة، تعمل فوق القانون، وترتبط مباشرة بأدوات الحكم الشخصي، وتخترق المجتمع باسم الأمن، وتجرّم الاختلاف باسم الاستقرار.
ومن هنا، فإن الحديث عن إصلاح هذا الجهاز لا معنى له. لا يمكن “إصلاح” جهاز بُني أصلًا لقمع المجتمع.
بل المطلوب هو هدم البنية القديمة بالكامل، وتأسيس جهاز جديد بمهمة مختلفة، وبنية قانونية واضحة، وآليات رقابة صارمة، وهوية وطنية–مجتمعية واضحة.
جهاز الأمن الداخلي في سوريا الجديدة، لا يجب أن يراقب المواطنين، بل يَرقب التهديدات. لا يتدخل في التعبير، بل يواجه الجريمة المنظمة، الاختراقات الخارجية، العبث بالمرافق السيادية، ومحاولات زعزعة السلم الأهلي.
أولًا: الوظيفة الجديدة لجهاز الأمن الداخلي
- من القمع إلى الوقاية:
يتحول من جهاز ملاحقة إلى جهاز تحصين:
يرصد التهديدات الحقيقية (الإرهاب، التهريب، التجسس، الجريمة المنظمة، الاعتداء على البنية التحتية السيادية).
يعمل بمنهجية استباقية وقانونية دون تدخل في الحياة السياسية أو الفكرية.
- من الأيديولوجيا إلى المهنية:
يُبنى على أساس مهني لا أيديولوجي؛
لا يخدم حزبًا، طائفة، نظامًا، أو عقيدة؛
يعمل وفق القانون والدستور، ويخضع للرقابة المتقاطعة (قضائية، تشريعية، حقوقية).
- من المركزية إلى الانتشار البنيوي المنضبط:
يتحول من جهاز مركزي خارق للسلطات إلى جهاز وظيفي منتظم داخل هيكل الدولة، لا فوقها.
ثانيًا: البنية المؤسسية الجديدة للجهاز
- الاسم والهوية:
يُلغى اسم “الأمن السياسي” و”أمن الدولة”، ويُستبدل بـ”جهاز الأمن الداخلي الوطني”؛
يُعرَّف دستوريًا بأنه: «جهاز حماية سيادية متخصص في رصد ومنع التهديدات الأمنية الداخلية الموجّهة ضد السلام العام والبنية الوطنية للدولة، ضمن حدود القانون».
- التبعية التنظيمية:
يخضع لوزارة الأمن الوطني؛
يُراقب إداريًا من الوزير، وقضائيًا من القضاء الإداري، وبرلمانيًا من لجنة أمنية تشريعية خاصة.
- الهيكل التشغيلي:
دائرة الأمن الوقائي؛
دائرة مكافحة الإرهاب والاختراق السيادي؛
دائرة رصد الجريمة المنظمة والعابرة للحدود؛
دائرة حماية المرافق السيادية والمؤسسات العامة؛
دائرة التعاون المجتمعي والمعلومات العامة.
ثالثًا: شروط الانتساب وآليات العمل
- شروط الانتساب:
التقدم مفتوح لخريجي الجامعات القانونية، الأمنية، أو المعلوماتية؛
يخضع المتقدّم لاختبارات نفسية، سلوكية، أمنية مضادة، واختبار في الدستور وحقوق الإنسان؛
يُمنع على أي منتسب سابق لأجهزة القمع أو المتورطين في الانتهاكات التقدّم للجهاز الجديد.
- آليات العمل الميداني:
كل مهمة يجب أن تكون مفوضة بأمر قانوني رسمي ومُسجلة؛
يُمنع على الجهاز التحقيق أو الاعتقال أو الاستدعاء المباشر دون إذن قضائي؛
لا يملك الجهاز أي سجون أو مراكز توقيف خاصة؛
أي مخالفة تؤدي إلى المساءلة والعزل والمحاكمة وفق القانون.
رابعًا: الرقابة والتوازنات
الرقابة القضائية: المحكمة الإدارية العليا تملك حق الطعن في أي إجراء للجهاز؛
الرقابة التشريعية: لجنة خاصة في البرلمان تراجع الأداء العام، التقارير السنوية، وأي تجاوزات؛
الرقابة المجتمعية: مفوضية حقوق الإنسان تملك حق زيارة أي فرع، وطلب التوضيحات، وتقديم تقارير للرأي العام.
خامسًا: الخطة التنفيذية لإعادة الهيكلة
حلّ كافة الأجهزة السابقة بمرسوم دستوري يُعلن فيه نهايتها القانونية والتنظيمية؛
إصدار قانون تأسيسي لجهاز الأمن الداخلي الوطني خلال أول 60 يومًا من المرحلة الانتقالية؛
تشكيل لجنة تأسيس مؤقتة مكوّنة من قضاة، وخبراء حقوقيين وأمنيين، توضع تحت الرقابة البرلمانية؛
فتح باب الانتساب بعد عام من التأسيس، لضمان الوقت الكافي للتطهير والتأهيل البنيوي؛
البدء بالتشغيل الجزئي في 3 محافظات كنموذج اختباري، قبل التوسّع تدريجيًا في كافة أنحاء البلاد؛
إصدار أول تقرير سيادي مفتوح حول الأمن الداخلي بعد 18 شهرًا، يتضمّن آليات الأداء، المخالفات، ومعايير التقييم.
خاتمة الفصل:
إن جهاز الأمن الداخلي الجديد لا يُعاد تأسيسه لحماية سلطة، بل لحماية الكيان المجتمعي، وتحصين الدولة من الانهيار الداخلي لا من المعارضة السياسية.
إنه جهاز للوقاية، لا للملاحقة؛ للحماية، لا للتهديد. وبإعادة بنائه وفق هذه المبادئ، نُغلق دائرة القمع، ونفتح دائرة الأمان السيادي، حيث لا يمكن لأي جهة أن تكون فوق المواطن أو خارج القانون.