القسم السابع – الباب الرابع
الفصل العشرون بناء العقد المجتمعي
من التفكك إلى التشاركية المؤسسية
مقدّمة: من المجتمع المنهك إلى البنية المؤسِّسة للدولة
الدولة ليست فقط دستورًا ومؤسسات،
بل هي عقد اجتماعي بين أفرادها،
يضمن الحقوق ويحدّد الواجبات،
ويؤسّس لشرعية السلطة من رضا الناس لا من سطوتها.
في سوريا، لم يكن هناك عقدٌ مجتمعي فعلي،
بل عقد خضوع مفروض من فوق،
يصنع مجتمعًا خانعًا لا شريكًا.
بعد عقود من القهر والتذرر والحرب،
يجب أن نعيد بناء المجتمع، لا فقط الدولة.
فلا نهضة ممكنة بلا وحدة نسيج مجتمعي يشعر بالانتماء،
ولا استقرار من دون ترميم الثقة بين الدولة والناس.
أولاً: الأزمة المجتمعية في سوريا: الأسباب والمظاهر
تدمير البنية المجتمعية التقليدية (العائلة، القرابة، الريف–المدينة.
تفكيك العلاقات الأفقية لصالح الولاء العمودي للسلطة أو الطائفة أو الميليشيا.
تحويل المجتمع إلى ملفات أمنية تُدار بالرقابة والاختراق لا بالحوار والتفاهم.
غياب التمثيل الحقيقي للمجتمع في السياسات والقرارات، مما أفقده الشعور بالشراكة.
تسييس الطوائف والمذاهب والعشائر وتحويلها إلى أدوات في صراعات السلطة.
التهميش الممنهج لفئات واسعة (الشباب، النساء، الفقراء، النازحين، أبناء الأطراف.
ثانياً: المبادئ التأسيسية لبناء العقد المجتمعي الجديد
الاعتراف بالتعدّد السوري بوصفه غنىً لا تهديدًا.
ترسيخ المساواة الفعلية لا فقط القانونية، بين كل المواطنين.
تحويل الفاعلين المجتمعيين (العشائر، الطوائف، النقابات،… إلخ) إلى شركاء لا أدوات.
ربط المواطن بالوطن من خلال الحقوق والكرامة، لا من خلال الخوف والوراثة.
استعادة الثقة بين المجتمع والدولة عبر العدالة والتمثيل والكرامة.
ثالثاً: آليات إعادة بناء النسيج المجتمعي السوري
على مستوى الثقافة والعلاقات:
إطلاق خطاب وطني جديد جامع يتجاوز الطائفية والجهوية.
إعادة الاعتبار للهوية الوطنية السورية كوحدة جامعة فوق الانتماءات الفرعية.
تشجيع الأنشطة الثقافية المشتركة التي تعزز التفاعل بين مكوّنات المجتمع.
كسر الحواجز النفسية الناتجة عن الحرب من خلال برامج حوار ومصالحة محلية.
على مستوى السياسات:
دمج الفئات المهمشة في السياسات الحكومية عبر تمكين حقيقي.
إنشاء مجالس مجتمعية محلية تشارك في صياغة القرارات المتعلقة بمناطقها.
إعادة هيكلة علاقة الدولة بالمجتمع لتكون قائمة على العقد لا الأوامر.
إقرار قوانين تضمن التعدد وتحمي من التمييز والتهميش.
على مستوى التعليم والإعلام:
إعادة صياغة المناهج المدرسية لتعزيز قيم المواطنة والتنوع والاحترام المتبادل.
إطلاق إعلام مجتمعي تشاركي يعكس واقع الناس وينقل صوتهم لا صوت السلطة فقط.
تدريس التربية على المواطنة منذ المراحل الابتدائية كجزء من بناء وعي الأجيال.
رابعاً: العقد المجتمعي كقاعدة للعقد الدستوري
الدستور الناهض لا يُكتب فقط في لجان الصياغة،
بل يُكتب أولًا في نفوس الناس وعلاقاتهم ببعضهم البعض.
فلا معنى لدستور حديث إذا بقي المجتمع منقسمًا ومتصارعًا.
لهذا، لا بد أن ينبثق الدستور الجديد من عقد مجتمعي واسع،
يرتكز على:
الاعتراف المتبادل بين مكوّنات المجتمع.
حماية التعددية بوصفها ضمانًا لا تهديدًا.
اشتراك الجميع في صياغة معايير العيش المشترك.
خامساً: نحو “عقد الجمهورية الجديدة“
من أجل الوصول إلى عقد فعلي، لا بد من:
إطلاق مؤتمر وطني مجتمعي جامع يضم ممثلين عن كل المكوّنات الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية.
صياغة “ميثاق وطني للعيش المشترك“ يتضمن المبادئ الكبرى الحاكمة للعقد المجتمعي السوري.
ربط هذا الميثاق بالدستور الجديد بوصفه روحه وضمانته المجتمعية.
تحويل العقد المجتمعي إلى ممارسة يومية عبر مشاركة الناس في الشأن العام، وتمثيلهم في صنع القرار، واستعادتهم لثقتهم ببعضهم وبالدولة.
خاتمة: من الخوف إلى الشراكة
إذا كانت سوريا قد عاشت عقودًا تحت عقد الخوف،
فإن مشروع النهضة لا يكتمل إلا بعقد الشراكة.
عقد يَعتبر كل فردٍ مشاركًا في تقرير المصير،
وكل مجموعة جزءًا من كلّ،
وكل صوت مسموعًا لا مهدّدًا.
العقد المجتمعي هو نَفَس الدولة،
وإذا أردنا بناء دولة حرة،
فلا بد أن تكون روحها حرة.