web analytics
القسم الثالث – الباب الخامس

الفصل الرابع والعشرون إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع

على أساس الإنتاج والعدالة

 مقدمة تأطيرية:

لأكثر من نصف قرن، لم تكن العلاقة بين الدولة والمجتمع في سوريا قائمة على التعاقد أو الشراكة، بل على الهيمنة والإخضاع.

  • الدولة تُوزّع الفُتات مقابل الطاعة،
  • والمجتمع يُنتَزع منه الولاء تحت التهديد أو الحاجة،
  • فيما يُصوَّر الاستقرار كمنّة، والانتماء كفرض، والمواطنة كخضوع.

في هذا النموذج، لم يكن المواطن شريكًا، بل مرؤوسًا يُطالَب بالولاء دون حقوق، وبالتضحية دون مشاركة.
أما الدولة، فكانت جهازًا تسلطيًا يُعيد إنتاج الفقر والتبعية ليحكم مجتمعًا عاجزًا مفككًا مستلَبًا.

وفي مشروع النهضة، لا نُعيد فقط بناء مؤسسات الدولة، بل نُعيد تأسيس العلاقة الأخلاقية والسياسية بينها وبين المجتمع، عبر قاعدتين لا بديل عنهما:
الإنتاج بدل الريع، والعدالة بدل التسلط.

 أولًا: تفكيك العلاقة القديمة – من الولاء إلى الهيمنة

  1. الدولة كانت توزّع الامتيازات بناءً على الولاء لا الكفاءة، مما دمّر الثقة العامة.
  2. السلطة احتكرت المجال العام، وصادرت المجتمع المدني، وجرّمت التنظيم المستقل.
  3. الخدمات كانت أداة ابتزاز، لا استحقاقًا مواطنيًا.
  4. المجتمع تعلّم الاتكالية، والتعامل مع الدولة بوصفها خصمًا أو قدرًا مفروضًا، لا شريكًا في البناء.

 ثانيًا: إعادة تأسيس العقد بين الدولة والمجتمع

العقد الجديد لا يُبنى على الخوف، بل على الشراكة، ولا على الاستحقاقات الشكلية، بل على قاعدة: من يساهم في الإنتاج، يملك القرار، ومن يحترم العدالة، يستحق السلطة.”

وتقوم العلاقة الجديدة على:

  1. تمكين المجتمع من الرقابة والمساءلة عبر تمثيله في المجالس والمؤسسات.
  2. ربط الإنفاق العام بمدى تحقيقه للعدالة المجتمعية.
  3. فتح المجال المدني أمام التنظيمات المستقلة، والنقابات، والاتحادات الحقيقية.
  4. تحويل الدولة إلى حاضنة للفرص، لا موزّعة للامتيازات.
  5. تبنّي سياسات تشاركية في التخطيط، والرقابة، وإنتاج السياسات العامة.

 ثالثًا: الإنتاج كركيزة للانتماء

  • في الدولة الريعية، المواطن تابع ينتظر الإعالة.
  • في الدولة الإنتاجية، المواطن شريك فاعل يمتلك الكرامة والاستقلال.

ولهذا، يجب أن تكون العلاقة الاقتصادية بين الدولة والمجتمع قائمة على:

  1. دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بوصفها العمود الفقري للاقتصاد المجتمعي.
  2. تحويل العمل والإنتاج إلى أساس للمواطنة الاقتصادية.
  3. مكافأة الجهد والإبداع لا المحسوبية والانتماء السياسي.
  4. ربط الدعم الاجتماعي ببرامج إعادة الدمج الإنتاجي لا المساعدات العشوائية.

 رابعًا: العدالة كضمانة للعقد الوطني

العدالة ليست فقط مسألة قانونية، بل هي الإطار الأخلاقي الذي يُنظّم العلاقة بين الدولة والمجتمع.
فإذا غابت العدالة، تحوّلت الدولة إلى سلطة قمع، والمجتمع إلى كُتل غضب أو نفاق.

ولهذا، تُبنى العدالة في العلاقة بين الطرفين من خلال:

  1. شفافية الموازنة والإنفاق العام.
  2. مكافحة الفساد ليس فقط كشأن إداري، بل كجريمة سياسية ضد العقد الاجتماعي.
  3. ضمان التوزيع العادل للموارد والخدمات.
  4. تمكين القضاء والمؤسسات الرقابية كمؤسسات مستقلة محصنة ضد التسييس.
  5. تأسيس نظام ضرائب عادل يُعيد توزيع الدخل والثروة لصالح التماسك الوطني.

 خامسًا: الدولة الأخلاقية كقيمة شاملة

في مشروع النهضة، الدولة ليست فقط جهازًا إداريًا أو سياسيًا، بل هي تجلٍّ أخلاقي لمجتمع حرّ، منتج، عادل.

والدولة التي لا تحترم مواطنيها، ولا تعترف بمشاركتهم، ولا تُنصف من يُنتج ويُبدع ويُضحّي، ليست جديرة بالاستمرار.

ولذلك، نؤمن أن:

الدولة الأخلاقية تُبنى حين يشعر المواطن أن ما يُنجزه في حياته يُحترم، وأنه جزء من القرار، لا ضحية له.