web analytics
القسم التاسع – الباب الخامس

الفصل الواحد والعشرين الأمن المجتمعي والسيادة القانونية

من القمع إلى الحماية الواعية

مقدمة تأسيسية: من الدولة الأمنية إلى الدولة الحامية

في تاريخ سوريا الحديث، لم يكن الأمن وظيفة لحماية المجتمع، بل أداة لحماية النظام. وقد تحوّل الجهاز الأمني إلى سيفٍ مسلط على رقاب الناس، لا درعٍ يحميهم. فَسُمِّيَ المواطن مشتبهًا، والمعارض عدوًا، والاحتجاج جريمة.

إن النهضة لا يمكن أن تُبنى على خوف الناس من دولتهم، بل على شعورهم بأن هذه الدولة تحميهم دون أن تبتلعهم. فالأمن – في مشروع النهضة – ليس غياب الفوضى، بل حضور العدالة. وهو ليس قمعًا وقائيًا، بل حماية حقوقية.

من هنا، فإن إصلاح المنظومة الأمنية لا يُعد ملفًا تقنيًا أو مؤسساتيًا فقط، بل هو لبّ التحول السيادي، إذ لا مواطنة دون أمان، ولا كرامة دون حصانة، ولا حرية دون ضمان.

أولًا: تشريح الأزمة الأمنية في الدولة السورية القديمة

  1. تحوّل الأمن إلى أداة سلطة لا مؤسسة مجتمع
    • تم تسييس الأجهزة الأمنية لتكون ذراع النظام، لا درع الدولة.
    • اختُزل الأمن في مراقبة الولاءات لا في حماية الحقوق.
  2. غياب التشريع الناظم وضبابية الصلاحيات
    • لا يوجد قانون واضح يضبط العلاقة بين الأمن والمواطن.
    • توسّعت صلاحيات الأجهزة دون رقابة أو محاسبة.
  3. إنتاج الخوف بدل الطمأنينة
    • تم تحويل الحيّ إلى نقطة مراقبة، والمجتمع إلى تقرير أمني.
    • اختنق المجال العام تحت ذريعة “الحفاظ على الاستقرار”.

ثانيًا: الرؤية السيادية للأمن في مشروع النهضة

  1. الأمن كوظيفة اجتماعية – لا سياسية
    • يُعاد تعريف الأمن بوصفه حماية لحقوق الناس لا لحماية النظام.
    • وظيفة الأجهزة هي الاستباق الواعي، لا الردع الممنهج.
  2. الفصل التام بين الأمن والمخابرات
    • يُنظّم العمل الأمني بقانون واضح يمنع التداخل مع القضاء أو الجيش أو السياسة.
    • يتم تفكيك المنظومة الأمنية القديمة وإعادة هيكلتها على أسس مهنية.
  3. دمقرطة القطاع الأمني
    • يُخضع الأمن للرقابة التشريعية–الشعبية.
    • يتم تأسيس جهاز رقابي مستقل لاستقبال شكاوى المواطنين.

ثالثًا: السياسات التنفيذية المقترحة

  1. إصدار “قانون الأمن الوطني
    • يحدّد صلاحيات الأجهزة، وآليات التحقيق، وحدود التدخل.
    • يُلزم الأجهزة بنظام إجراءات يحمي حقوق الإنسان.
  2. تأسيس “مجلس الرقابة على الأجهزة الأمنية
    • هيئة مستقلة تضم قضاة، ممثلين عن البرلمان، وحقوقيين.
    • تراقب أداء الأجهزة، وتُنشر تقاريرها بشكل دوري.
  3. إصلاح مناهج التدريب الأمني
    • إدماج مفاهيم الحقوق الدستورية، وآليات فض النزاعات السلمية.
    • استبعاد ثقافة الشبهة والاستهداف الجماعي.
  4. فصل الأمن عن الإعلام والقضاء
    • يُمنع على الأجهزة امتلاك وسائل إعلامية أو التدخل في التغطية الإعلامية.
    • يُحظر على أي جهاز احتجاز المواطن دون قرار قضائي واضح.
  5. حماية المبلّغين والشهود
    • يُقرّ قانون لحماية من يبلّغ عن تجاوزات أمنية.
    • ضمان سرية الشهادة، وعدم التعرّض للانتقام.

خاتمة الفصل

إن الدولة الجديدة لا تُعرّف من عدد أجهزتها، بل من عدد الناس الذين يشعرون فيها بالأمان. والأمن ليس في الكاميرات والاعتقالات، بل في الثقة، والحق، وسيادة القانون.

وفي مشروع النهضة، نعيد للأمن وظيفته الحقيقية: أن يكون خادمًا لسيادة المجتمع، لا سيدًا عليه. حارسًا لكرامة الإنسان، لا سجانًا له.

ومن هذا التصور، نبدأ في بناء منظومة أمنية وطنية – سيادية – مدنية – إنسانية، تُشكّل ضمانة الاستقرار لا أداة للخراب المستتر.