web analytics
القسم الثامن – الباب الخامس

الفصل الحادي والعشرون المؤسسة العليا للتخطيط العسكري

والدفاع المدني

مقدمة تمهيدية:

في الدول الحديثة، لا يُدار الدفاع بالأوامر، بل بالعقل الاستراتيجي، ولا تُحمى الجبهات بالسلاح وحده، بل بمنظومة متكاملة من التخطيط والتعبئة والتنظيم المدني العسكري.

أما في سوريا، فقد كانت الخطط الدفاعية أسرارًا أمنية، والدفاع المدني مجرد ملحق للجيش، بلا تدريب حقيقي ولا بنية مهنية، يُستخدم أكثر لأغراض أمنية من وظيفته الأصلية.

ولهذا، فإن تأسيس المؤسسة العليا للتخطيط العسكري والدفاع المدني يُشكّل تتويجًا عقلانيًا، قانونيًا، وسياديًا للمنظومة الدفاعية كلها. إنها الجهة التي تُدمج فيها الخبرة العسكرية، والجاهزية المدنية، والتخطيط السيادي متعدد الأبعاد، لتأسيس حماية وطنية شاملة.

أولًا: الأهداف العامة للمؤسسة

صياغة الاستراتيجية الدفاعية الوطنية بعيدة المدى؛

بناء الجاهزية السيادية الشاملة على المستوى العسكري والمدني والمجتمعي؛

تنظيم العلاقة بين المؤسسة العسكرية، والحكومات المحلية، وأجهزة الطوارئ؛

تطوير منظومة الدفاع المدني كجهاز مستقلّ ومحترف، لا تابع أو ملحق؛

ضمان تكامل الاستجابة الوطنية في الأزمات، من الحرب إلى الكوارث الطبيعية، ومن الهجمات إلى انهيار الخدمات.

ثانيًا: البنية المؤسسية

  1. مجلس السياسات الدفاعية العليا:

يتكوّن من وزيري الدفاع والداخلية، رئيس هيئة الأركان، ممثلين عن المجالس المحلية، خبراء استراتيجيين، ومندوب عن البرلمان.

يُشرف على الخطط الدفاعية العامة، ويقرّ الخطط الوطنية للطوارئ والدفاع المدني.

  1. هيئة التخطيط الاستراتيجي العسكري–المدني:

دائرة مهنية مستقلة داخل المؤسسة، تضم ضباطًا، مخططين مدنيين، علماء بيانات، متخصصين في الأمن الغذائي والصحي، وممثلي المجتمع المدني.

وظيفتها تطوير سيناريوهات المخاطر، وتقديم خطط استجابة متكاملة، وتقييم القدرات الوطنية.

  1. قيادة الدفاع المدني الوطني:

تُبنى على أسس مهنية لا عسكرية، وتُدار بآلية مدنية مستقلة؛

تمتلك وحدات تدخل، تدريب، لوجستيات، إنذار مبكر، واستجابة متعددة الأغراض (حريق، فيضان، زلزال، هجوم، انهيار خدمات، إلخ).

ثالثًا: المهام التنفيذية للمؤسسة

صياغة الخطة الدفاعية الوطنية كل خمس سنوات، ومراجعتها سنويًا؛

إدارة التدريب المشترك بين المدنيين والعسكريين في الاستجابة للكوارث والعدوان؛

تنظيم حملات تعبئة وطنية غير إلزامية، تعتمد على العمل المجتمعي المدعوم قانونيًا؛

بناء شبكة مراكز تعبئة وخطط إخلاء وخدمات طوارئ في كل محافظة؛

نشر وعي الدفاع الوطني في المناهج، الإعلام، والأدبيات العامة.

رابعًا: مبادئ العمل السيادي

الفصل بين الوظيفة القتالية والوظيفة المجتمعية، مع وجود تنسيق وظيفي منضبط.

حظر استخدام الدفاع المدني في مهام أمنية أو قمعية؛

الشفافية في الخطط والإجراءات والتمويلات؛

عدم التسييس، وعدم التوظيف الحزبي أو الأيديولوجي لأي مرفق دفاعي مدني؛

إلزامية الرقابة البرلمانية والرقابة الشعبية على الأداء الدفاعي غير العسكري.

خامسًا: أدوات التنفيذ والتكامل

نظام الإنذار الوطني السيادي: شبكة رقمية متكاملة تُرسل تحذيرات لحظية للأهالي في حالات الطوارئ؛

المنصة الوطنية للدفاع المجتمعي: تربط بين المجالس المحلية، المنظمات، المدارس، الدفاع المدني، والإعلام؛

مراكز القيادة الموحّدة: تُنشأ في كل محافظة، وتدير الأزمات تحت إشراف مباشر من المؤسسة العليا.

سادسًا: خطة التأسيس المرحلية

إصدار القانون التأسيسي خلال أول 6 أشهر، يُعرّف الدفاع المدني كوظيفة سيادية مستقلة؛

إنشاء أول قيادة دفاع مدني في المحافظات الأكثر هشاشة (ريف دمشق – دير الزور – حلب – إدلب)؛

تدريب أول دفعة وطنية من المدنيين ضمن برنامج “التعبئة المجتمعية للسيادة”؛

إصدار الخطة الوطنية الشاملة للطوارئ بعد عام من التأسيس، ونشرها بشفافية كاملة؛

تنفيذ أول مناورة تعبئة وطنية مشتركة (مدنية–عسكرية) في السنة الثانية، لقياس الجاهزية وفعالية التنسيق.

خاتمة الفصل:

السيادة لا تُحمى فقط بالسلاح، بل بالعقل، بالتخطيط، وبالناس أنفسهم حين يصبحون شركاء في الأمن لا مجرد أهداف للحماية.
والمؤسسة العليا للتخطيط العسكري والدفاع المدني تُجسّد هذا المفهوم: حماية وطنية تبدأ من الفهم، تمر بالتنظيم، وتنتهي بالاستعداد.
إنها الجسر الأخير بين القوة والمعرفة، بين العسكر والمجتمع، بين الدولة والشعب.

وباكتمال هذا الفصل، نكون قد أنهينا الباب الخامس: النظام الدفاعي السيادي، وانتقلنا من بناء السلطة إلى حمايتها، ومن تأسيس المؤسسات إلى صون معناها.