web analytics
القسم السابع – الباب الخامس

الفصل السادس والعشرون المؤسسات الثقافية والتعليمية

من التلقين إلى الفعل المعرفي

اولاً: مدخل تأسيسي: المعرفة كجوهر للسيادة والنهضة

لا يُبنى وطن على ركام الجهل،
ولا تُستعاد الدولة دون أن يُستعاد العقل المُنتج للفكر،
ولا تُؤسس النهضة دون بيئة تعليمية–ثقافية تحرر الإنسان لا تُطوِّعه، وتُشكّله لا تُلغيه.

ففي التجربة السورية، كانت المؤسسات التعليمية أدوات تلقين وترويض،
وكانت المؤسسات الثقافية زينة ديكورية فوق خنادق الرقابة والمنع والوصاية.

النهضة لا تحتمل هذا النوع من “الإنتاج المعرفي”.

النهضة تستلزم تحويل كل مؤسسة تعليمية وثقافية إلى مركز بناء للعقل الحرّ، والشخصية الوطنية، والكفاءة الإنسانية.

ثانياً: المدرسة الوطنية – من التلقين الأيديولوجي إلى التكوين النقدي

إعادة هيكلة المناهج التعليمية بالكامل، لتقوم على:

  • التفكير النقدي.
  • المعرفة التفاعلية.
  • تعزيز المواطنة والانتماء الوطني.
  • احترام التنوع، والحق في الاختلاف.

إلغاء التعليم السياسي الإجباري والخطاب التمجيدي.

إدخال مادة الفلسفة والحقوق والهوية الدستورية من الصفوف المبكرة.

دمج القيم العلمية والعملية في المناهج – لا فواصل بين المدرسة والحياة.

تحديث طرق التدريس – من التعليم التلقيني إلى التعلّم التشاركي.

إعادة بناء كليات التربية لتكون مختبرات إعداد للمعلّم المفكر لا الموظف المُنفّذ.

ثالثاً:  الجامعة – من مؤسسة مغلقة إلى فضاء للابتكار والسيادة المعرفية

تحرير الجامعات من الوصاية الأمنية والسياسية عبر استقلال إداري وأكاديمي كامل.

إلغاء تعيين القيادات الأكاديمية وفق الولاء، وربطها بالكفاءة والمسؤولية والمحاسبة.

تشجيع البحث العلمي التطبيقي المرتبط باحتياجات النهضة.

تمويل وطني شفاف للمشاريع البحثية ضمن إطار رؤية النهضة.

بناء جسور حقيقية بين الجامعات وقطاعات الدولة الإنتاجية والخدمية.

دعم مراكز الأبحاث والدراسات المستقبلية وتثبيت دورها كمحرك لصياغة السياسات.

رابعاً: المؤسسات الثقافية – من نخب معزولة إلى بنية تغيير مجتمعي

تحويل المراكز الثقافية إلى منصات تفاعلية مفتوحة أمام جميع الفئات الاجتماعية.

فك الارتباط بين الثقافة والوصاية الرسمية – إلغاء التراخيص السياسية للعروض والنشر.

تأسيس مجالس ثقافية محلية مستقلة، مرتبطة بالمجالس البلدية والمدن الجامعية.

دعم الفنون الحرة – من المسرح إلى السينما إلى الفنون الرقمية كوسائل بناء للوعي والانتماء.

تفعيل دور اتحاد الكتّاب والفنانين كجهات حرة لا خاضعة.

تعزيز الثقافة الرقمية وتعميم المكتبات المفتوحة المجانية في جميع المدن والقرى.

خامساً: خارطة التحول الاستراتيجي للمؤسسات التعليمية–الثقافية

المرحلة الأولى – التشريع والتحصين:

  • وضع قانون التعليم الوطني وقانون الثقافة الحرة.
  • حماية استقلال المؤسسات.
  • دسترة الحق في التفكير والتعبير والمعرفة.

المرحلة الثانية – إعادة الهيكلة:

  • إصلاح شامل للمناهج.
  • تدريب المعلمين والأساتذة على المناهج الجديدة.
  • استقلال الجامعات والمؤسسات الثقافية إداريًا وماليًا.

المرحلة الثالثة – التحفيز والربط:

  • ربط التعليم بسوق العمل والمجتمع.
  • تشجيع المشاريع الطلابية البحثية.
  • إدماج الفنون والمشاريع المعرفية في عملية التنمية.

المرحلة الرابعة – التقييم والمساءلة:

  • تأسيس هيئة رقابية وطنية لقياس جودة التعليم والثقافة.
  • ربط تمويل المؤسسات بمعايير الأداء والإنجاز الفعلي.

سادساً: نحو عقد ثقافي–تعليمي وطني

المعركة الحقيقية ليست على المناصب، بل على وعي الأجيال.
والدولة النهضوية لا تبني الجدران، بل العقول،
ولا تُروّض الفكر، بل تُطلقه.

فلن تُستعاد السيادة الوطنية إن لم تُستعاد السيادة المعرفية، واستقلال المؤسسة التربوية، وحرية المثقف، وأخلاق التعليم.