القسم التاسع – الباب الخامس
الفصل العشرون النهضة السورية
من الحلم الوطني إلى تجسيد المعنى
مقدمة تأسيسية: حين يتحوّل الحلم إلى بنية، ويصير المعنى فعلًا
كل ما صُغنا من قبل – في السياسة، والاقتصاد، والهوية، والسيادة، والخدمات، والعدالة، والمعرفة، والذاكرة – لم يكن هدفه فقط إصلاح الدولة، بل كان يذهب نحو أعمق من ذلك:
بناء مشروع نهضوي متكامل، يعيد تعريف سوريا نفسها: من هي؟ لماذا وُجدت؟ كيف تُبنى؟ ولمن؟.
فالنهضة، كما نُعيد فهمها، ليست مجرد استعادة ما ضاع،
ولا رفع مستوى المعيشة،
ولا تجاوز الهزيمة،
بل هي معركة المعنى في زمن تآكل المعنى:
– ما الدولة؟
– ما السيادة؟
– ما العدل؟
– من المواطن؟
– ما هو المشروع الجماعي الذي يمكن أن يجمع بين الناس لا ليبقوا فقط، بل ليشاركوا في مستقبل يُشبههم ويعبّر عنهم؟
لقد جُرّبت في سوريا مشاريع سلطوية، أيديولوجية، طائفية، عسكرية، استهلاكية، مؤقتة، انتهازية…
لكن لم يُجَرَّب يومًا مشروع نهضوي–تحرّري–سيادي يُعيد تأسيس العقد الوطني من الأساس.
ومشروع النهضة لا يدّعي الكمال، لكنه يفتح الباب لمسار وطني عقلاني، تحويلي، يُخاطب الإنسان السوري بوصفه طاقة للخلق، لا كائنًا مُدارًا أو تابعًا أو محكومًا.
أولًا: النهضة ليست لحظة… بل بنية معرفية–سياسية
- ليست رد فعل، بل رؤية مؤسسة
النهضة لا تولد من الانفعال، بل من الوعي العميق بالتاريخ، والواقع، والممكن،
ومن الجرأة على تفكيك الخراب من جذوره، وإعادة تشكيل الدولة لا ترميمها فقط.
- ليست إنجازات تقنية فقط، بل إعادة هندسة للغرض من الدولة
لا يُقاس مشروع النهضة بعدد القوانين، أو عدد المدارس،
بل يُقاس بقدرته على تغيير العلاقة بين الإنسان والدولة، بين الشعب والسيادة، بين الوطن والانتماء.
- ليست مشروع سلطة، بل مشروع مجتمع
النهضة لا تحتاج إلى زعيم، بل إلى عقل جماعي، ووعي نقدي، وشبكة مؤسسات تعيش أطول من أي حكومة أو نظام.
- ليست منعزلة عن العالم، بل متجذّرة في السياق، ومفتوحة على التفاعل
هي نهضة لا تنغلق على الذات، بل تعيد تموضع سوريا داخل الإقليم والعالم كفاعل مستقل، شريك، محترِم لنفسه، لا تابع ولا أداة.
ثانيًا: أسس النهضة السورية كما يؤسسها المشروع
- الإنسان مركز المشروع
– لا بوصفه موظفًا أو مقاتلًا أو ناخبًا،
– بل بوصفه غاية الدولة ووسيلتها ومصدر شرعيتها.
- السيادة شرط نهضة، لا أداة تفاوض
– لا تُبنى النهضة على دولة مرتهنة،
– ولا على قرار خارجي،
– بل على استقلال القرار، والتحرر من الهيمنة، والسيطرة على الموارد والحدود والمعنى.
- العدالة قيمة فوق التوازنات
– النهضة لا تعني تحسين حياة البعض،
– بل تعني أن لا يشعر أحد أنه منسي، مهدور، زائد، لا يستحق.
- اللامركزية بوصفها بُنية تحرير لا تفكيك
– النهضة لا تعني تفتيت الدولة،
– بل توزيع القوة، وتوسيع القرار، وإعادة بناء الوطن من الأطراف إلى المركز.
- المعرفة كأداة تحرير، لا تزيين
– لا مشروع نهضة دون مدرسة حرة، جامعة مستقلة، عقل ناقد، إعلام مسؤول، وأرشيف مفتوح.
- الوعي التاريخي، والذاكرة، والانتماء كشبكة حماية ضد التكرار
– النهضة لا تنجح ما لم تعترف بما جرى، وتتعلم منه، وتُعيد كتابة العقد الوطني على أسس الحقيقة والاعتراف.
ثالثًا: كيف تُجسّد النهضة في السياسات؟
- بخطط لا ترتجل، بل تُبنى تراكميًا على أساس الواقع
– النهضة تبدأ من الرؤية، وتُترجم إلى سياسات، وتُراقب بمؤشرات، وتُصحّح بالشفافية، وتُحمى بالمجتمع.
- بمأسسة البديل، لا شخصنته
– لا تُربط النهضة بأفراد أو تيارات، بل تُحوّل إلى منظومة مؤسسات تفصل السلطة عن الشعب، وتحمي القرار من التوريث، والمال، والاستبداد.
- بشبكة تشريعية تحوّل المبادئ إلى حقوق
– تُكتب القوانين من الواقع لا من فوق،
– وتُربط بالدستور،
– وتُصاغ لحماية المجتمع لا لإدارته فقط.
- بالمشاركة الواسعة، لا عبر النخب فقط
– النهضة لا تُصاغ في المؤتمرات، بل في القرى، والجامعات، والنقابات، والأسواق، والمجالس المحلية، وفي صوت المرأة، والشباب، والضحايا، والمهمّشين.
خاتمة الفصل
النهضة، كما نرسمها، ليست خطابًا رنّانًا،
ولا وثيقة محفوظة،
ولا طموحًا طيّبًا لا يتحقق،
بل هي إرادة مشتركة، حرة، واعية، منظمة، ومُمكنة،
تنشأ من الألم، وتُصاغ في العقل، وتُختبر في الواقع، وتُصحّح بالنقد، وتُحمى بالوعي، وتستمر طالما أن الإنسان السوري يرفض أن يُعاد سحقه باسم الوطن.
ومتى امتلكنا المعنى،
وصغنا الرؤية،
وبنينا المؤسسات،
ووضعنا العدالة في قلب السيادة،
حينها فقط يمكن أن نقول:
إن النهضة لم تعد حلمًا… بل واقعًا يُبنى، ويُعاش، ويُورّث.