web analytics
القسم التاسع – الباب الخامس

الفصل الثالث والعشرون السياسات الإعلامية والثقافية

من أدوات الخضوع إلى فضاء التعبير الوطني

مقدمة تأسيسية:

 لم تكن الثقافة في سوريا أداةً لإنتاج الوعي والتحرر، بل أداة لإعادة إنتاج الخضوع والتطبيع مع الاستبداد. فقد حوّلت السلطة الثقافة إلى سلطة مضادة: تُقصي المختلف، وتكرّس الولاء، وتُجمّل القبح السياسي بشعارات جوفاء. أما الإعلام، فتحوّل من وظيفة رقابية إلى منبر رسمي يصدح بصوت واحد، لا يسمع فيه المواطن ذاته ولا تساؤلاته.

في مشروع النهضة، الثقافة ليست ملحقًا للسياسة، بل قاطرة لتغيير المجتمع من الداخل. والإعلام ليس مكبّر صوت للسلطة، بل مرآة للناس، وسلطة مستقلة تُحاسب ولا تُستَعمل. نعيد تأسيس السياسة الثقافية والإعلامية على قاعدة الكرامة، والتعدد، والسيادة الرمزية، كي يكون الوعي هو الحصن الأول للدولة.

أولًا: تشريح التوظيف السلطوي للثقافة والإعلام

  1. خضوع المؤسسات الثقافية والإعلامية لرقابة أمنية مباشرة.
  2. مصادرة التعددية في التعبير الفني والفكري، وحصر الإنتاج ضمن قوالب تمجيد السلطة.
  3. تجريف التنوع المحلي واللغوي والرمزي لمكوّنات المجتمع السوري.
  4. تسخير الإعلام لتغذية الانقسام الطائفي أو القومي أو السياسي.
  5. تجفيف الحياة الثقافية المستقلة، وشيطنة المثقف الحر.

ثانيًا: الرؤية النهضوية البديلة

  1. الثقافة مورد سيادي تعبّر عن روح المجتمع لا إملاءات السلطة.
  2. الإعلام حقل مجتمعي حيّ، لا جهازًا فوقيًا توجيهيًا.
  3. التعددية الثقافية ليست خطرًا، بل ضمانة وطنية لوحدة الشعب.
  4. الثقافة والإعلام مجالان لتحرير الإنسان، لا لتأطيره.
  5. لا شرعية لأي سلطة تقمع الفكر أو تحاصر التعبير.

ثالثًا: السياسات التنفيذية

  1. إنشاء هيئة وطنية مستقلة للثقافة والإعلام: – تتمتع بالاستقلال الكامل عن السلطة التنفيذية. – تضم مثقفين، وصحفيين، وممثلين عن المجتمع المدني. – تتولى تنظيم العمل الإعلامي، وضمان التعددية، ومراقبة الممارسات الاحتكارية أو القمعية.
  2. إعادة تعريف الإعلام الرسمي: – تحويله من منبر حكومي إلى مؤسسة خدمة عامة. – إدخال مجالس تحرير منتخبة. – نشر ميزانياته وتقاريره للرأي العام.
  3. تمكين الإعلام المحلي والحر: – منح تراخيص شفافة لوسائل الإعلام المستقلة. – تمويل وسائل إعلام محلية تعبّر عن المجتمعات المتنوعة. – إصدار قانون يحمي الصحفيين من التعسف والتوقيف الإداري.
  4. تحفيز الحياة الثقافية: – إلغاء الرقابة المسبقة على النشر والإنتاج. – دعم المعارض، والفرق المسرحية، والسينما المستقلة. – إدخال الثقافة والفن كمكوّن أساسي في التعليم الرسمي.
  5. إصلاح البنية القانونية: – تعديل القوانين الناظمة للنشر، الملكية الفكرية، والرقابة. – إلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا التعبير. – تجريم التحريض الإعلامي على الكراهية والعنف.

خاتمة الفصل

إن النهضة لا تُبنى فقط بالخطط والموازنات، بل تُبنى بالكلمة الحرة، والصورة التي تطرح الأسئلة، والموسيقى التي تستنهض المعنى، والمقالة التي تزعج السائد. الإعلام والثقافة هما وجها السيادة الداخلية لأي دولة تحترم نفسها،

وهما الجسر الواصل بين الإنسان وكرامته. وفي سوريا الجديدة، لا صوت يعلو على صوت الإنسان… لا فوقه مذيع، ولا تحته رقيب، بل فقط مجتمعه الحي، وعقله الحر.