web analytics
القسم السابع – الباب الرابع

الفصل الثاني والعشرون الطفولة والسياسات التكوينية

من الحماية إلى الاستثمار

أولاً: الطفولة ليست مرحلة عابرة بل حجر الأساس لبناء الإنسان السوري

الطفولة ليست مجرد مرحلة زمنية تُختزل باللعب أو البراءة،
بل هي التربة الأولى التي تُزرع فيها القيم، وتُبنى عليها الشخصيات، وتُرسَّخ فيها الهويات الفردية والجمعية.
من هنا، فإن مشروع النهضة السورية لا يمكن أن يكتمل دون مشروع تكويني شامل للطفولة،
يحوّل الحماية من شعارات روتينية إلى استثمار وجودي في الإنسان السوري القادم.

لقد دمّرت الحرب السورية ليس فقط المدارس والمنازل،
بل دمّرت أحلام الملايين من الأطفال، وشوّهت مساراتهم النفسية والتعليمية،
وأنتجت جيلًا كاملًا يواجه الحياة بذاكرة الحرب، لا بأمل الطفولة.

ثانياً: تشخيص الواقع السوري للطفولة

انقطاع ملايين الأطفال عن التعليم، خاصة في المناطق المحرومة، ومخيمات النزوح، والقرى المهمّشة.

ارتفاع معدلات عمالة الأطفال، نتيجة الفقر والعوز، وغياب شبكات الحماية الاجتماعية.

استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة من قبل ميليشيات وفصائل، وتحويلهم إلى أدوات قتال.

ضعف الرعاية الصحية والنفسية والتربوية، وغياب سياسات طفولة شاملة ومنهجية.

تفكك الأسرة وتراجع الأمان الأسري، بسبب الفقد والشتات، ما أفقد الطفل أهم حاضنة لهويته الأولى.

هيمنة المناهج التلقينية القديمة، التي لا تحترم شخصية الطفل ولا تطور مهاراته ولا تبني استقلاله.

ثالثاً:  الأسس الفلسفية لسياسات الطفولة في مشروع النهضة

الطفل مواطنٌ كامل القيمة، له حقوق وليس مجرّد مستقبل محتمل.

الطفولة فضاء تكويني لا مرحلة انتقالية، تُبنى فيه الذات وتُرسَّخ فيه قيم النهضة.

الطفولة ركيزة للسيادة الوطنية: لا يمكن بناء دولة ذات كرامة دون أطفال آمنين، واعين، قادرين.

الطفل لا يُربّى ليطيع، بل ليختار، والنهضة الحقيقية تبدأ حين نربّي أجيالًا ناقدة، لا منقادة.

رابعاً: الاستراتيجيات العملية لسياسات الطفولة

على المستوى الدستوري والتشريعي:

إدراج حقوق الطفل ضمن نص دستوري واضح وملزم، يتضمّن الحماية، التعليم، الهوية، التعبير، الحماية من العنف والاستغلال.

وضع قانون موحد وشامل للطفولة يستند إلى اتفاقية حقوق الطفل ويأخذ خصوصية الواقع السوري في الحسبان.

منع استغلال الأطفال في أي شكل من أشكال العمل القسري أو العنف أو التجييش العقائدي.

على المستوى التعليمي والتربوي:

إعادة بناء المنظومة التربوية من الجذور، لتكون مرنة، شمولية، وتفاعلية.

إصلاح المناهج بما يعزز الإبداع والتفكير النقدي والانفتاح.

إطلاق مشروع وطني لبناء رياض الأطفال ومراكز النمو المبكر، خاصة في المناطق الريفية.

تدريب المعلمين على أساليب التربية الحديثة والتعامل النفسي مع الصدمات الطفولية.

على المستوى الصحي والنفسي:

إقرار خطة وطنية للصحة الطفولية الشاملة تشمل اللقاحات، التغذية، الدعم النفسي، المتابعة الدورية.

إنشاء مراكز دعم نفسي للأطفال المتضررين من الحرب، بإشراف مختصين.

إدماج الصحة النفسية في المدارس كجزء من العملية التربوية لا كملحق طارئ.

على المستوى الاجتماعي والسيادي:

خلق شبكات حماية اجتماعية للأطفال والأسر الأكثر هشاشة.

منع تسرب الأطفال من التعليم بربطه ببرامج دعم اقتصادي للأسر الفقيرة.

إعادة بناء البنية الثقافية للتعامل مع الطفل كذات حرة، لا كملكية أسرية.

ضمان التمثيل الصوتي للأطفال في المؤسسات المجتمعية كالمجالس المحلية والمدرسية بشكل رمزي تربوي.

خامساً: الطفل بوصفه نواة النهضة وليس مستقبلها المؤجَّل

يجب أن نكفّ عن القول: “الطفل هو مستقبل الوطن”،
بل نقول: الطفل هو حاضره ومحرّكه وذرة نهضته.

فالنهضة لا تُبنى على أكتاف الكبار فقط، بل تبدأ من لحظة احترام الطفل، والاعتراف به، وتوفير كل ما يؤسّسه كذات قادرة على الحلم والفعل.

خاتمة: الطفولة هي السيادة من أول سطر

إن الدولة التي لا تحمي طفلها، لا تحمي سيادتها.
والطفل الذي لا يملك حرية التعليم واللعب والتعبير،
لن يكبر ليحمي الأرض أو يبني الدولة.

مشروع النهضة السورية هو في جوهره مشروع طفولة ناهضة،
تنشئ الإنسان على الحرية، والكرامة، والقدرة، لا على الخوف والطاعة والنقص.