web analytics
القسم الثاني عشر – الباب الأول

الفصل الخامس الاعتراف الدولي والسيادة القانونية

من الهامشية إلى الفاعلية

تمهيد:

لم يكن الاعتراف الدولي يومًا مجرد إجراء دبلوماسي شكلي، بل كان – ولا يزال – من أهم آليات ترسيخ السيادة وتعزيز شرعية الدولة على المستوى العالمي. ومع انهيار النظام السابق وتفكك شرعيته الداخلية والخارجية، وظهور الدولة السورية الجديدة بوصفها مشروعًا سياسيًا وشعبيًا بديلاً، تصبح مسألة الاعتراف الدولي تحدّيًا سياديًا لا يمكن تجاهله، ولا تركه لمعادلات القوى وحدها.

في هذا الفصل، نعيد فهم الاعتراف الدولي كأداة سيادية قانونية–سياسية تُوظَّف في خدمة النهضة الوطنية، وليس كمُنّة تُنتظر من المجتمع الدولي، أو كختم شرعي من الخارج. ويجري ذلك عبر معالجة خمس وحدات أساسية:

أولًا: الاعتراف الدولي كأداة سيادة لا كمُنّة سياسية

يتعامل النظام الدولي مع “الاعتراف” بوصفه تثبيتًا قانونيًا للواقع السياسي.

لكن في التجربة السورية، كثيرًا ما تم تسييس الاعتراف، وربطه بالولاءات أو بالاصطفاف مع المحاور.

في الدولة السورية الجديدة:

لا يُطلب الاعتراف كموافقة خارجية على الوجود.

بل يُنتزع من خلال بناء واقع سيادي شرعي داخلي، تُجبر الأطراف الدولية على التعامل معه.

الاعتراف في هذه الحالة يصبح نتيجة طبيعية لوجود مؤسسات حقيقية، وسلطة شرعية، وتمثيل داخلي واضح.

ثانيًا: الانتقال من الهامشية إلى الفاعلية عبر الشرعية المركّبة

الدولة التي لا تملك تمثيلًا داخليًا واضحًا تبقى على هامش النظام الدولي.

في مشروع النهضة، تقوم شرعية الدولة الجديدة على ثلاثة مستويات:

شرعية شعبية نابعة من عقد اجتماعي فعلي.

شرعية قانونية تستند إلى دستور جديد ومؤسسات مستقلة.

شرعية وظيفية تثبت من خلال القدرة على ضبط الأرض وتقديم الخدمات وتمثيل المجتمع.

هذه الشرعيات تُشكّل الأساس الصلب لطلب الاعتراف الخارجي، لا العكس.

ثالثًا: التعامل مع الاعتراف بوصفه عملية تفاوض لا استجداء

الاعتراف لا يُمنح بسهولة، خاصة في حالات الانتقال السياسي غير المتفق عليه دوليًا.

لذلك، يجب إدارة هذا الملف بمنهج تفاوضي قائم على:

تقديم رؤية واضحة لبنية الدولة الجديدة ودورها الإقليمي والدولي.

عرض الشروط الواقعية للاعتراف، وموازنتها بمصالح الدول المختلفة.

توسيع قاعدة العلاقات الثنائية والوظيفية حتى قبل الاعتراف الكامل، لكسر العزلة السياسية.

الاعتراف هنا ليس حدثًا مفاجئًا، بل مسار تراكمي تُبنى فيه الثقة والحقائق على الأرض.

رابعًا: تحرير مفهوم السيادة القانونية من الاستغلال الخارجي

لطالما استُخدم مفهوم “الشرعية الدولية” أداة ضغط على الشعوب، لحماية أنظمة غير شرعية داخلية.

لذلك، يعيد مشروع النهضة تعريف العلاقة مع المنظومة القانونية الدولية على أساس:

احترام قواعد القانون الدولي العام، لا خضوعًا لتفسيراته السياسية الظرفية.

المطالبة بالاعتراف المتبادل بناء على مبدأ السيادة المتكافئة.

مواجهة ازدواجية المعايير باستخدام أدوات القانون ذاته، لا بمجرد الخطاب المبدئي.

السيادة القانونية تُكرَّس من خلال الحضور الدولي المنظم، لا بمجرد إعلان سياسي أو دعاية داخلية.

خامسًا: بناء أدوات الاعتراف – بين السياسة والوظيفة والدبلوماسية الشعبية

لا يُنتزع الاعتراف بالخطاب فقط، بل ببناء أدوات واضحة على ثلاثة مستويات:

السياسة الخارجية الرسمية:

وضع استراتيجية واضحة للاعتراف.

التواصل مع القوى الفاعلة في الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية.

الدخول في مفاوضات هادئة لتأمين الاعتراف المتدرّج.

الوظيفة الدبلوماسية:

تفعيل البعثات الخارجية بشكل مؤقت وغير رسمي حين يلزم.

التمثيل في المؤتمرات والمنتديات الدولية كمراقب أو كمشارك محايد.

إصدار وثائق قانونية محدثة تعكس طبيعة الدولة الجديدة.

الدبلوماسية الشعبية:

استثمار الجاليات السورية في الخارج لبناء لوبي سياسي وشعبي داعم.

إطلاق مبادرات مدنية–حقوقية توصل صوت الدولة الجديدة إلى الرأي العام الدولي.

تسخير الإعلام والبحث الأكاديمي لتثبيت الرواية الوطنية.

خاتمة الفصل:

الاعتراف الدولي ليس نهاية المعركة من أجل السيادة، بل هو تتويج لمسار داخلي مكتمل. في الدولة السورية الجديدة، لا يُفهم الاعتراف كتنازل عن القرار، ولا كمجرد اعتراف رمزي، بل كأداة سيادية تُبنى وتُدافع، وتُوظّف لخدمة المشروع الوطني.

فمن دون اعتراف، تبقى الدولة الجديدة معلّقة في نظام دولي لا يعترف إلا بمن يفرض نفسه.
لكن من دون مشروع حقيقي، لا يُنتج الاعتراف إلا دولة تابعة، فاقدة للجوهر.