web analytics
القسم السادس عشر – الباب الثاني

الفصل السابع المبادئ الحاكمة للمرحلة الانتقالية

من التأسيس السياسي إلى الضبط السيادي المؤقت

 مقدمة الفصل

في المرحلة الانتقالية التي تعقب ولادة الدولة من رحم الانهيار، لا تُبنى الشرعية فقط عبر الإعلان،

بل عبر تحديد المبادئ الحاكمة التي تضمن عدم انزلاق السلطة المؤقتة إلى الاستئثار أو الاستبداد أو العجز المزمن.

فلا يكفي أن نعلن قيام دولة، بل يجب أن نُحدّد كيف تُدار، ولمن، وبأي روح تُفعَّل مؤسساتها،

وما هي الحدود السيادية–الأخلاقية التي لا يجوز لأي سلطة مؤقتة أن تتجاوزها، مهما كانت مبرّراتها أو تحدياتها.

ولهذا، يُحدّد هذا الفصل المبادئ السياسية والسيادية والمؤسساتية التي تُشكّل “روح الحكم” في المرحلة الانتقالية،
والتي تُلزم الحاكم المؤقت بأن يكون خادمًا للتحوّل، لا وريثًا لحكم سابق، ولا طامعًا بامتداد دائم.

أولًا: طبيعة الحكم الانتقالي ووظيفته الجوهرية

  • تُدار المرحلة الانتقالية بنظام حكم مؤقت تشاركي، يستند إلى التعددية والرقابة والمساءلة لا إلى سلطة فرد أو حزب أو فصيل.
  • وظيفة الحكم المؤقت ليست صناعة السياسات الطويلة الأمد، بل ضبط الاستقرار، وإعادة تمكين الدولة، والتحضير لتسليم السلطة ضمن إطار ديمقراطي.
  • تُمنع أي جهة حاكمة خلال هذه المرحلة من تعديل بنية الإعلان الدستوري أو تغيير ملامح العقد الوطني دون آلية تشاركية واضحة، واستفتاء شعبي نزيه.
  • السلطة هنا ليست “امتيازًا ثورياً”، بل “أمانة سيادية” محكومة بالزمن، وبالنتائج، وبالتقييم المتواصل من القوى المجتمعية.

ثانيًا: المبادئ السياسية الحاكمة

  • السيادة للشعب وحده، ولا تمثيل له إلا من خلال أدوات معلنة ومؤسسات مفوضة رقابيًا ومجتمعيًا.
  • لا تُعتمد شرعية أي سلطة أو هيئة ما لم تُحدّد وظيفتها بوضوح وتخضع للمساءلة الدورية.
  • التمثيل مناطقي ومتعدد، ويُراعى في تشكيل الهيئات الانتقالية ضمان تمثيل فعلي للمجتمعات المنكوبة والمكونات المستبعدة سابقًا.
  • تُمنع كافة أشكال “احتكار القرار” السياسي، سواء باسم الخبرة، أو المرجعية، أو القوة، أو التمثيل الحزبي.

ثالثًا: المبادئ المؤسساتية والوظيفية

  • تُدار الدولة عبر هياكل انتقالية محددة بمدة ومهام واضحة، وتتوزّع فيها الصلاحيات بين ثلاث سلطات مؤقتة: التنفيذ، التشريع، الرقابة.
  • يُحظَر إنشاء أجهزة موازية أو سلطات استثنائية خارج الإطار الدستوري الانتقالي، ولو تحت أي مسمّى ثوري أو أمني.
  • تُؤسّس جميع مؤسسات الحكم المؤقت على مبدأ الفعالية الخاضعة للتقييم، وليس فقط على مبدأ الشرعية الرمزية.
  • يُعدّ التغوّل الوظيفي أو تعطيل المؤسسات الدستورية المؤقتة خرقًا للميثاق، وموجبًا لسحب التفويض.

رابعًا: المبادئ السيادية–الأخلاقية الضابطة

  • كل ممارسة سلطوية يجب أن تُقاس بميزان الكرامة والعدالة، لا فقط بمصالح البقاء أو الاستقرار الأمني.
  • تُجرّم أي ممارسات قمعية أو تبريرية تستند إلى شعارات المرحلة الانتقالية (مثل: الأمن، الضرورة، حماية الإنجاز).
  • يُمنع استخدام مؤسسات الدولة المؤقتة لأغراض الدعاية، أو تصفية الحسابات، أو مراكمة النفوذ الفردي أو الحزبي.
  • تُحظر الاستثمارات السياسية طويلة الأمد في المؤسسات الانتقالية، ويُمنع استخدام المال العام كأداة تعزيز للسلطة.

خاتمة الفصل

إن المرحلة الانتقالية، بحسب هذا المشروع، ليست لحظة انتصار، بل لحظة ضبط،
وليست مساحة لصناعة رموز جديدة، بل معبر لتسليم السيادة إلى عقد دائم.

وهذه المبادئ، ليست فقط قيودًا على السلطة، بل هي ضمانات لحماية الدولة الجديدة من نفسها،
وحماية الحلم من أن يُختطف، والشرعية من أن تُزيَّف باسم الضرورة.