القسم السادس عشر – الباب الثاني
الفصل الثامن البنية المؤقتة للدولة
تشكيل السلطات وتوزيع الصلاحيات
من هندسة الحكم إلى آليات السيطرة الوقائية
مقدمة الفصل
إن إعلان الدولة، مهما بلغ من شرعية رمزية، لا يكتمل دون بنية تنفيذية وتشريعية ورقابية واضحة،
تُحدّد الصلاحيات بدقة، وتمنع التداخل والفراغ، وتؤسّس لنظام توازن داخلي لا يسمح لأي جهة بالهيمنة على القرار أو اختطاف المرحلة.
ولهذا، لا يقوم مشروع النهضة فقط على إعلان المبادئ، بل على هندسة انتقالية دقيقة، تضمن إدارة الدولة خلال المرحلة المؤقتة بأعلى درجات الفاعلية والرقابة، وأدنى احتمالات الانحراف أو التسلّط أو الفوضى.
في هذا الفصل، نرسم ملامح البنية المؤقتة للحكم، بتفصيل الوظائف، وتحديد السلطات، وإرساء منظومة توزيع وتوازن واختصاص واستقلال.
أولًا: مجلس السيادة الانتقالي – المرجعية العليا المؤقتة
- يُشكَّل مجلس السيادة من ممثلين عن القوى الوطنية الثورية والمجتمعية، وفق صيغة توازن تضمن تمثيلًا غير احتكاري ولا مغلوب.
- لا يُمنح المجلس صلاحيات تنفيذية مباشرة، بل صلاحيات سيادية رقابية–تنسيقية، تشمل:
- المصادقة على التعيينات العليا.
- قبول أو رفض مسودات القوانين المؤقتة.
- تفويض تشكيل الحكومة الانتقالية أو سحب الثقة منها.
- الإشراف على المسار الدستوري ومجالس الضمان النهضوي.
- يُعدّ المجلس المرجعية السيادية المؤقتة، لا كسلطة عليا فوق الدولة، بل كضامن لعدم الانحراف.
ثانيًا: الحكومة الانتقالية – السلطة التنفيذية المحكومة
- تُشكّل الحكومة الانتقالية بتكليف من مجلس السيادة، على أن تضم كفاءات تقنية وسياسية تمثل الطيف الوطني.
- لا تتجاوز مدة الحكومة 18 شهرًا قابلة للتمديد مرة واحدة بقرار معلَّل.
- الصلاحيات التنفيذية تشمل:
- ضبط الأمن بالتنسيق مع الأجهزة الجديدة وإشراف قضائي مدني.
- إدارة المرافق والخدمات العامة.
- تطبيق بنود الإعلان الدستوري.
- تنظيم العملية الانتخابية والتمهيد للدستور الدائم.
- تخضع الحكومة للمساءلة الشهرية أمام هيئة رقابة مستقلة.
ثالثًا: مجلس التمثيل الشعبي – الرقابة والتشريع المؤقت
- يُنشأ “مجلس تمثيل شعبي مؤقت” يُنتخب وفق تمثيل مناطقي–وظيفي عادل ومحدود المهام.
- لا يُمنح المجلس حق صياغة الدستور، بل:
- مراقبة الأداء الحكومي.
- اقتراح تعديلات على الإعلان الدستوري المؤقت.
- مراجعة القوانين المؤقتة قبل إقرارها.
- إصدار لوائح تنظيمية تدير مؤسسات الخدمة العامة.
- يُمنع الجمع بين عضوية المجلس وأي منصب حكومي أو أمني أو سيادي.
رابعًا: الهيئة القضائية الدستورية – حارس العقد المؤقت
- تُنشأ “الهيئة الدستورية العليا المؤقتة”، بوصفها الجسم القضائي الأعلى المختص بالفصل في:
- تنازع الصلاحيات بين السلطات.
- الطعن في أي إجراء مخالف للميثاق أو الإعلان الدستوري.
- مراجعة القرارات السيادية حال الاعتراض عليها من جهة شعبية أو مؤسسية.
- تتكوّن الهيئة من قضاة سابقين، وخبراء قانونيين، وشخصيات مستقلة مشهود لها، تُنتخب من قِبل لجنة تمثيل سيادي مختلطة.
خامسًا: مؤسسات الضمان والرقابة المجتمعية
- تُؤسس خلال المرحلة الانتقالية كيانات رقابية مستقلة، أبرزها:
- مجلس الرقابة المجتمعية على الحكومة.
- مفوضية حقوق الإنسان.
- هيئة الإعلام المستقل.
- هيئة مراجعة الالتزام الميثاقي.
- تمتلك هذه الهيئات سلطة رفع تقارير علنية، وإحالة المخالفات إلى الجهات السيادية والقضائية المختصة.
خاتمة الفصل
إن البنية المؤقتة للدولة ليست تمهيدًا لسلطة جديدة، بل حاجزًا وقائيًا ضد الانزلاق،
وأداة لتفعيل الوظائف السيادية دون تحويلها إلى رصيد سياسي لأي جهة.
وبهذا الفصل، لا نكون قد بنينا سلطة، بل رسمنا حدودها.