web analytics
القسم الثالث عشر – الباب الثالث

الفصل الثالث عشر السياسة السكنية

من العشوائيات إلى التخطيط المستدام

مقدمة تمهيدية

حين يُنتزع من الإنسان حقه في المسكن، لا يبقى في الدولة من معناها شيء.

فالسكن ليس سلعة، بل هو حق وجودي–اجتماعي–سيادي، يعبّر عن العلاقة بين المواطن وأرضه، بين العائلة والمكان، بين المدينة والعدالة.

وفي سوريا، كان المسكن دومًا مرآة للتفاوت، ونتيجة لسياسات الإقصاء، وهدفًا للقصف، وأداة للنهب، ثم أصبح في نهاية المطاف علامة انهيار المعمار الحضري والاجتماعي معًا.

العشوائيات لم تولد صدفة، بل صيغت بتواطؤ السلطة مع الفقر والتهميش.

وحين قامت الحرب، لم تُدمّر البيوت فقط، بل دُمّر معها المعنى: فقد الناس الأرض، والحي، والجيرة، والمكان، وأصبح مئات الآلاف بلا مأوى، وملايين في مساكن لا تصلح للحياة، وأحياء كاملة تحوّلت إلى ركام فوق ذاكرة من عاشوا فيها.

في مشروع النهضة، لا يُطرح السكن كـ”قطاع عمراني”، بل كحق وطني مركزي، وكجزء من العدالة المجالية، وإعادة إنتاج الفضاء السوري بما يضمن التوازن، الكرامة، والانتماء.

وهذا الفصل يُعيد تعريف السكن باعتباره حقًا إنسانيًا واجتماعيًا وسياسيًا في آنٍ معًا، لا يمكن اختزاله في جدران، بل هو سياسة سيادية شاملة تعالج التهميش، وتُفعّل العدالة، وتُعيد للسوريين أماكنهم في الحياة.

أولًا: تفكيك الأزمة السكنية في سوريا

الدمار الممنهج للبنية السكنية خلال الحرب:

استُهدفت أحياء كاملة كوسيلة للتهجير والتفريغ السكاني، مما خلّف ملايين المشردين داخليًا وخارجيًا.

انتشار العشوائيات خارج أي تخطيط عمراني:

تحوّلت إلى مجتمعات منسية محرومة من الخدمات، والتعليم، والصرف الصحي، تُدار أمنيًا لا مدنيًا.

غياب العدالة في التملك والتوزيع:

تمكين شبكات السلطة من الاستيلاء على الأراضي العامة والخاصة، وتهميش الطبقات الفقيرة والنازحة من الحق في التملك.

انهيار المؤسسات التخطيطية والرقابية:

إهمال لمخططات التنظيم العمراني، وفوضى في إصدار التراخيص، وفساد في البلديات، وتغييب للبعد البيئي والتنموي.

التسليع الوحشي للسكن:

ارتفاع أسعار العقارات بشكل جنوني، وخضوعها لمضاربات النخبة، مع غياب أي سياسة إسكانية اجتماعية.

ثانيًا: أهداف السياسة السكنية في مشروع النهضة

ضمان الحق في السكن الكريم لكل مواطن دون تمييز.

إعادة بناء المناطق المدمّرة ضمن رؤية شاملة للعدالة المكانية.

تنظيم المجال الحضري والريفي بما يحقق التوازن والتكامل والاندماج المجتمعي.

تحقيق عدالة التملك، ومنع الاحتكار العقاري، واستعادة الأراضي المصادرة أو المنهوبة.

تحويل التخطيط العمراني إلى أداة لتنمية المجتمع، لا وسيلة لضبطه أمنيًا.

ثالثًا: المبادرات التنفيذية المقترحة

إعداد “الخطة الوطنية للسكن العادل:

تُرسم على مدى 10 سنوات، وتشمل إعادة الإعمار، الإسكان الاجتماعي، ترميم الأحياء القديمة، والسيطرة على العشوائيات.

تأسيس “هيئة السياسات السكنية والتنظيم العمراني:

تتولى رسم السياسات التخطيطية، وتنسيق الجهود بين المركز والمجالس المحلية، ومراجعة كافة التشريعات العقارية والتنظيمية.

إطلاق برنامج “الإسكان الوطني:

يُخصص لبناء وحدات سكنية للنازحين، والعائدين، والفئات الهشة، بالشراكة مع البلديات والمجتمع المدني.

إصلاح شامل لقوانين الملكية العقارية:

إلغاء المراسيم التهجيرية (مثل المرسوم 10)، وإعادة الحقوق لأصحابها، وضمان الشفافية في إثبات الملكيات، ومنع المضاربة.

تجميد استثمار الأراضي المصادرة بشكل غير قانوني:

وفتح ملف الأراضي التي نُهبت أو أُخذت تعسفًا، ضمن خطة استرداد أو تعويض عادلة.

تطبيق “العدالة المكانية” في التخطيط:

ضمان التوزيع العادل للخدمات، وتوفير البنية التحتية للقرى والأرياف والمناطق المحرومة، وعدم تكرار مركزية الإسكان في المدن الكبرى.

إدماج البعد البيئي في السياسات السكنية:

تخطيط مستدام، يحترم الطبيعة، ويواجه التصحر، ويعتمد على مصادر طاقة نظيفة ومياه مأمونة.

رابعًا: التحديات والاشتراطات

تشابك الحقوق العقارية وتداخلها مع قضايا النزاع والتهجير.

قوة شبكات الاحتكار العقاري والفساد في القطاع.

ضعف الإمكانات المالية في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور.

فقدان الثقة بين المواطن والدولة في قضايا التملك والاستثمار العقاري.

ولهذا لا بد من بناء سياسة تقوم على الشفافية، والعدالة، والرقابة المجتمعية، وعلى ضمانات قانونية تحمي الفقير قبل المستثمر.

خامسًا: السكن كمرآة للعدالة والسيادة

في مشروع النهضة، لا يُختزل السكن في بناء الأبراج، بل يُفهم كمعمار للعدالة.
فكما أن غياب السكن يُخرج الإنسان من شروط الحياة الكريمة، فإن تهميشه يخرجه من المواطنة ذاتها.
ومن دون استعادة الفضاء العام، وتحرير المسكن من سلطة السوق ومنطق الغلبة، لا يُبنى وطن.

خاتمة الفصل

السكن ليس جدارًا، بل هوية.
وحين يُترك المواطن بلا بيت، يُترك بلا مكان في وطنه.

في مشروع النهضة، نعيد البناء بدءًا من أساس الحياة: من الحق في الأرض، وفي الجيرة، وفي الأمان، وفي أن يكون للإنسان مكانٌ ثابت يحفظ كرامته وذكرياته ومستقبله.