القسم الخامس عشر – الباب الثالث
الفصل الثالث عشر التوصيات للمجالس الدستورية والتشريعية
مقدمة الفصل
في أي دولة تنهض من تحت الركام، لا يكون دور المجالس الدستورية والتشريعية مجرد صياغة نصوص قانونية، بل تثبيت العقد الأخلاقي والسياسي الذي تُبنى عليه الدولة الجديدة.
وفي الحالة السورية، حيث تم اختزال التشريع لعقود في مراسيم استبدادية، وتحويل الدستور إلى غطاء للسلطة لا ضابط لها، فإن استعادة الوظيفة السيادية لهذه المجالس تُعد أحد أعمدة النهضة الأساسية. هذا الفصل لا يُقدّم توصيات تقنية حول قوانين مفترضة، بل يرسم المعايير الفلسفية والسياسية التي يجب أن تحكم عمل هذه الهيئات، إن أرادت أن تكون حارسًا للحرية، لا بوابة لتجديد القيد.
أولًا: التوصيات القيمية – بين النص والمعنى
- لا تكتبوا الدستور لحماية السلطة، بل لحماية الناس منها؛ فالدستور ليس تفويضًا مفتوحًا، بل قيدٌ على السلطة من أجل المجتمع.
- اجعلوا الكرامة والعدالة والمساءلة مبادئ تأسيسية لا شعارات توجيهية؛ ينبغي أن تكون هذه المبادئ مضمّنة في البنية العضوية للنص الدستوري.
- احذروا من لغة الغموض الفضفاض، فهي بوابة الاستبداد المُقنَّع؛ كل كلمة تُكتب يجب أن تُخضع لاحتمالات التأويل، لا أن تُترك سلطة على بياض.
- ارفضوا فكرة “الدولة أولًا” إذا كانت تعني قهر الإنسان باسم المصلحة العليا؛ فالدولة لا تستحق الاستمرار إلا إذا كانت وسيلة لحماية الحرية، لا لمصادرتها.
ثانيًا: التوصيات العملية في هندسة السلطة
- افصلوا السلطات فصلاً حقيقيًا، لا تبادل أدوار بين أجهزة تنتمي لنفس النسق؛ لا يجوز أن يُمنح الرئيس صلاحيات فوقية باسم “الاستقرار”، ولا أن يُجعل البرلمان رهينة لأغلبية مُصنّعة.
- أقرّوا استقلال القضاء كشرط وجود لا كجماليات دستورية؛ يجب أن يُنشأ مجلس قضائي مستقل لا يخضع للسلطة التنفيذية أو التشريعية، وتُمنع أي سلطة من التدخّل في أحكامه.
- اعتمدوا اللامركزية بوصفها هندسة تمثيلية للسيادة، لا تفويضًا إداريًا مشروطًا؛ المجالس المحلية يجب أن تُصبح جزءًا من السلطة التشريعية، لا مجرد أجهزة تنفيذية ثانوية.
- صمّموا نظامًا انتخابيًا يُتيح التمثيل الحقيقي لا تمثيل الأغلبية المفبركة؛ مزيج من النسبية والمناطقية يضمن حضور جميع الفئات دون تهميش أو احتكار.
ثالثًا: التوصيات في البعد السيادي والاجتماعي
- دستِروا العدالة الانتقالية كمكوّن أصيل لا مرحلة عابرة؛ يجب أن ينص الدستور على هيئة مستقلة دائمة للعدالة والإنصاف والمصالحة.
- أدرجوا الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في صلب الوثيقة الدستورية؛ الحق في الغذاء، والتعليم، والسكن، والصحة، والكرامة، هو حجر الزاوية لأي عقد اجتماعي.
- اعترفوا صراحة بالتعدد الثقافي واللغوي والديني؛ يجب أن تقوم صياغة الدولة على الاعتراف لا الإنكار، وعلى التنوع لا الانصهار القسري.
- اجعلوا من الإعلام المستقل سلطة رقابية دستورية؛ دون إعلام حر، كل الحريات قابلة للإخفاء، وكل الاستبداد قابل للتبرير.
رابعًا: التوصيات الإجرائية حول شرعية المجالس نفسها
- لا شرعية لأي مجلس تشريعي لا يُنتَخب عبر آلية نزيهة وشاملة لكل السوريين، في الداخل والخارج.
- كل تشريع يصدر في مرحلة انتقالية يجب أن يُخضع لاحقًا لمراجعة دستورية في ظل الاستقرار.
- إشراك القوى المجتمعية والمهنية والحقوقية في مراجعة النصوص قبل إقرارها، شرطٌ لضمان التمثيل المعنوي للناس.
- منع أي مجلس تشريعي من تعديل قواعد اللعبة السياسية (الدستور، النظام الانتخابي، نظام التمثيل) دون استفتاء شعبي مباشر.
خاتمة الفصل
إن المجالس التي لا تُدرك أنها تكتب مستقبل أمة، ستُعيد إنتاج جحيمها السابق بنصوص جديدة. وفي سوريا التي خرجت من القهر،
لا يجب أن نسمح لأي مجلس أن يُخدع بالشرعية الشكلية، أو أن يُحوَّل إلى أداة تمرير باسم الدولة. فالمشرّع، في لحظة ما بعد الاستبداد، ليس كاتب نصوص، بل حارس على باب الدولة الجديدة: إما أن يُحصّنها من التسلط، أو أن يُشرعن عودته بصياغة أكثر نعومة.