القسم السادس عشر – الباب الثالث
الفصل الثالث عشر المنظومة الإدارية والوظيفية
من التعطيل إلى التشغيل
مقدمة الفصل
حين تخرج الدول من الصراع، لا يكفي أن تستعيد الاستقرار الأمني والسياسي، بل يجب أن تُعيد تشغيل قلبها الإداري: المؤسسات، الكوادر، الخدمات، البنية الوظيفية. ففي ظل الفوضى التي خلّفها النظام السابق، وما تلاها من انهيار المؤسسات، تحوّلت الإدارات العامة إلى هياكل مشلولة، إما فارغة من الكوادر، أو مشحونة بالولاءات، أو مستنزفة بفعل الفساد والتسييس.
هذا الفصل يُعيد بناء الرؤية الإدارية للدولة الجديدة، ويطرح الأسس العادلة والفعّالة لتفعيل المؤسسات، وضمان حيادية الوظيفة العامة، وكفاءة الأداء، وعدالة التوزيع.
أولًا: إعادة تفعيل المؤسسات الخدمية – الأولويات والوسائل
- تُشكَّل خلال الأسبوع الأول من المرحلة الانتقالية لجان تقييم عاجلة في كل محافظة، مهمتها حصر المؤسسات الفاعلة والمعطلة، ووضع خطة إسعافية لإعادة تشغيلها.
- تُعطى الأولوية للمرافق المرتبطة بالصحة، والمياه، والتعليم، والكهرباء، والمواصلات.
- يُفعَّل برنامج “الإدارة المتنقلة” لتعويض غياب المقرات أو تدمير البنى التحتية، عبر مراكز خدمية متنقلة بإشراف مركزي.
- تُربط الإدارات المحلية مباشرةً بوزارة شؤون الإدارة الانتقالية، على أن تتلقى توجيهاتها من المجلس السيادي في القضايا العليا.
ثانيًا: مبادئ التوظيف الانتقالي العادل – من الولاء إلى الكفاءة
- يتم وضع “مدونة سلوك وظيفي انتقالي” تُلزم جميع المعينين الجدد أو العائدين إلى الوظيفة بمعايير الحياد والكفاءة والانضباط المؤسسي.
- يُلغى مبدأ التعيين الأمني أو السياسي، ويُستبدل بآليات اختبار وتقييم واضحة يشرف عليها مجلس الخدمة المدنية الانتقالي.
- يُعاد توزيع الكوادر بين المحافظات بناءً على حاجات فعلية، لا اعتبارات سياسية أو مناطقية.
- تُمنح أولوية التوظيف للخبرات المعطّلة بسبب المواقف السياسية أو الانتماءات المناطقية السابقة، شريطة الكفاءة وعدم التورط في الانتهاكات.
ثالثًا: فصل الوظيفة عن الولاء السياسي – تحصين الدولة من التوظيف الحزبي
- يُمنع شَغل أي وظيفة إدارية عامة من قِبل من يشغل منصبًا حزبيًا في الوقت ذاته.
- يُجرّم قانونًا استغلال المنصب الوظيفي في التحشيد السياسي، أو التجييش الفئوي، أو تقديم الخدمات المشروطة بالولاء.
- يُراقب الأداء الوظيفي من قِبل هيئة الخدمة العامة، ويُقيَّم العاملون وفق معايير موضوعية تُنشر سنويًا.
- تُعتمد آليات تبليغ وحماية المبلغين عن الفساد أو التسييس، وتُكفل سرية الشكاوى وحماية المبلّغين.
رابعًا: برامج التأهيل والتدريب الإداري الشامل
- تُطلق خلال الأشهر الأولى خطة تدريب وطني واسعة، تُنفّذ بالشراكة مع الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية، بهدف رفع كفاءة الكوادر العائدة والجديدة.
- يُخصَّص برنامج خاص لإعداد قادة الإدارة المتوسطة والعليا، يشمل القيادة، الحوكمة، النزاهة، الإدارة في أزمنة الانتقال.
- تُفتتح معاهد إدارية في كل إقليم لتدريب الكوادر المحلية، وتُشرف عليها الهيئة الوطنية لإصلاح الإدارة.
- يُمنح العاملون شهادات تصنيف وظيفي مرتبطة بالكفاءة، لا بالتراتبية السياسية أو العمر الوظيفي.
خامسًا: ضمان العدالة الوظيفية وتمثيل المناطق
- تُحدَّد نسب تمثيلية للمناطق والمكوّنات المجتمعية في الإدارات العامة، خلال المرحلة الانتقالية، لضمان التوازن ومنع الهيمنة.
- يُعاد فتح ملفات الإقصاء الوظيفي السابق، ويُمنح المتضررون فرص استئناف حقوقهم عبر هيئة إنصاف الخدمة العامة.
- يُلزم الإعلان الدستوري الدولة باعتماد معايير التوازن لا المحاصصة، بحيث يُمثَّل الجميع على أساس الجدارة، دون إقصاء أو تمييز.
خاتمة الفصل
الإدارة ليست تفاصيل إجرائية، بل العمود الفقري للدولة. وأي نهضة لا تبدأ من إصلاح الإدارة هي نهضة مشلولة منذ ولادتها. ولهذا، فإن هذا الفصل يقدّم خطة تفعيل المؤسسات بوصفها أحد شروط إعادة الثقة، وبناء السيادة، وتحقيق العدالة اليومية للمواطن. فلا معنى للدستور ما لم تترجمه موظفة تُعامل المواطن باحترام، ولا معنى للسيادة إن لم يُحترم الإنسان عند باب المؤسسة العامة.