القسم الثالث عشر – الباب الثالث
الفصل الرابع عشر سياسة الشباب والرياضة
من التهميش إلى القيادة المستقبلية
مقدمة تمهيدية
في كل أمة تنهض، يكون الشباب في طليعتها لا في هامشها، وفي صلب القرار لا على أرصفته.
لكن في سوريا، وعلى مدى عقود، تم اختزال الشباب إلى مجرد طاقة متفجرة يُخشى منها، أو مادة دعائية تُستثمر عند الحاجة، أو وقودٍ لحروب وصراعات لا يملكون فيها من أمرهم شيئًا.
أما الرياضة، فكانت امتدادًا لمؤسسات التطبيل، لا وسيلة لبناء الجسد والفريق والانتماء.
وما بين الإقصاء المنهجي، والاستغلال السياسي، والتهميش الاجتماعي، خسر جيلٌ كامل بوصلته، وماتت الحماسة في صدور مئات الآلاف ممن كان يمكن أن يكونوا قادة التغيير.
اليوم، لم يعد الحديث عن الشباب رفاهية، ولا عن الرياضة ترفًا، بل باتا معًا ضرورة استراتيجية.
فمن دون تمكين الشباب، لا تتحقق السيادة، ومن دون رياضة تُعيد صياغة العلاقة بالجسد والعمل الجماعي، لا تُبنى الشخصية، ولا يتكوّن المواطن.
في مشروع النهضة، تُفهم السياسة الشبابية والرياضية بوصفها مجالًا سياديًا، يُعاد فيه بناء الإنسان السوري كفاعل، لا كمفعول به، وكشريك لا كورقة ضغط.
ومن خلال هذا الفصل، يُعاد الاعتبار لهذه الشريحة بوصفها حاملة الوعي، والطاقة، والقرار، والمستقبل.
أولًا: تشريح تهميش الشباب في سوريا
انعدام التمثيل الحقيقي للشباب:
لا دور سياسي حقيقي، ولا مشاركة في صنع القرار، ولا تمثيل فاعل في الهيئات التشريعية أو التنفيذية.
تفكك المسارات المهنية والتعليمية:
فقدان الأمل في العمل بعد التخرج، وانفصال التعليم عن سوق العمل، وهروب جماعي نحو الخارج أو الاقتصاد غير الرسمي.
تسييس الحياة الشبابية والمؤسسات الرياضية:
تحوّلت المنظمات الشبابية والنوادي الرياضية إلى أدوات في يد النظام، بدل أن تكون منصات للتعبير الحر والتطوير الذاتي.
تهميش الفتيات الشابات بشكل مضاعف:
بفعل البنية الذكورية والتمييز الاجتماعي، وتضاعف المعاناة في التعليم والعمل والمشاركة.
أزمات الحرب والهجرة والبطالة والضياع:
ملايين الشباب بين نازح، ومهجَّر، ومعتقل، ومفصول من جامعته، أو مُقصى من فرصه.
ثانيًا: أهداف السياسة الشبابية–الرياضية في مشروع النهضة
تحويل الشباب من جمهور إلى فاعل قيادي في مختلف مناحي الحياة الوطنية.
ربط الشباب بالسيادة، والمعرفة، والإنتاج، والمواطنة.
إنشاء بنية رياضية وطنية جماعية لا فردية، تُعزز الانتماء والعمل الجماعي والقيم الصحية.
تمكين الشابات بوصفهن عنصرًا موازيًا في القيادة والتنمية.
توفير مساحات حرة وآمنة للتعبير، والتنظيم، والمبادرة، خارج الوصاية السياسية أو الأمنية.
ثالثًا: المبادرات التنفيذية المقترحة
تأسيس “المجلس الأعلى للشباب والرياضة“
هيئة وطنية منتخبة جزئيًا من الشباب أنفسهم، تُشرِف على السياسات، والبرامج، وتضمن التمثيل، وتمنع التسييس.
إطلاق “البرنامج الوطني لتمكين الشباب“
يشمل التدريب، ريادة الأعمال، التعليم المهني، القروض الصغيرة، التمكين الرقمي، وربط الشباب بمراكز القرار محليًا ومركزيًا.
إنشاء “البرلمان الشبابي الوطني“
كيان استشاري تشاركي يتيح للشباب التعبير عن رؤاهم، ومراقبة السياسات، واقتراح المبادرات على الدولة.
إعادة بناء البنية التحتية الرياضية
تأهيل الملاعب، والمراكز الشبابية، وقاعات الرياضات الجماعية، وتوفير أدوات التدريب الحديثة في كل مدينة وقرية.
إصلاح شامل للمنظومة الرياضية
فصل الرياضة عن الأجهزة الأمنية والسياسية، واعتماد معايير وطنية للترشيح والبطولة والدعم.
تشجيع المبادرات الشبابية اللامركزية
منح تراخيص لجمعيات ونوادٍ محلية، وتشجيع العمل التطوعي، والفنون، والمشاريع الاجتماعية.
إدماج التربية الرياضية والتثقيف السياسي المدني في المدارس
لتكوين شخصية متوازنة واعية، جسديًا وذهنيًا، تؤمن بالعمل الجماعي والمواطنة والانتماء.
رابعًا: التحديات والتحولات
ثقافة عامة مشبعة بالإحباط والعدمية.
غياب القدوة، وتحطيم الرموز، وغياب الأفق الوظيفي أو السياسي.
تحوّل الرياضة إلى ملاذ للنفوذ والمال، بدل أن تكون مجالًا للعدل والتمثيل الشعبي.
هيمنة الخطاب الإقصائي على الشأن العام، ما يحدّ من انخراط الشباب غير المؤدلج.
خامسًا: الشباب كحامل للسيادة لا مجرد رقم سكاني
في مشروع النهضة، لا يُنظر إلى الشباب بوصفهم كتلة عمرية فقط، بل باعتبارهم جوهر الزمن السيادي القادم.
فالدولة التي لا تفتح أبوابها لأبنائها، تحكم على نفسها بالذبول.
والنظام الذي يُقصي شبابه، يَشيخ قبل أوانه، ويُقصي مستقبله مع ماضيه.
خاتمة الفصل
لقد تم اختطاف جيل كامل في سوريا، لا بسبب ضعف قدراته، بل بسبب تغييب الدولة لوظيفتها: أن ترعى لا أن تُقصي، أن تُمكّن لا أن تُراقب، أن تُصغي لا أن تُلقّن.
وفي مشروع النهضة، تُعاد العلاقة بين الدولة وشبابها على أساس الشراكة، والتمكين، والاحترام.
فلا نهوض من دون طاقة، ولا طاقة من دون حرية، ولا حرية من دون شباب يصنعون مصيرهم، لا يُصاغ لهم.