web analytics
القسم الخامس عشر – الباب الرابع

الفصل التاسع عشر العلاقة بين الشعب والدولة

من السيطرة إلى التعاقد

مقدمة الفصل

سوريا القديمة، لم تكن العلاقة بين الدولة والشعب علاقة تعاقد، بل علاقة سيطرة وهيمنة. كانت الدولة ترى نفسها فوق المجتمع، تحتكر القرار باسمه، وتقصي كل من لا يخضع لها، وتُبرّر عنفها تحت شعارات “الوحدة”، و”السيادة”، و”الضرورة الوطنية”.

أما في مشروع النهضة، فإن نقطة التحول الجذرية لا تبدأ فقط من إعادة بناء المؤسسات، بل من إعادة تعريف هذه العلاقة بشكل جذري: لا بوصف الشعب خادمًا لسلطة موروثة، بل بوصفه مالكًا للسيادة، ومصدرًا للشرعية، وضامنًا لمشروعية الدولة واستمرارها.

في هذا الفصل، نُؤسّس لهذه العلاقة على قاعدة التعاقد السيادي، بما يعيد التوازن، ويمنع الاستبداد، ويحوّل السلطة من احتكار فوقي إلى تكليف خاضع للمساءلة.

أولًا: من الامتلاك إلى التمثيل

  • لا تُبنى الدولة على احتكار السيادة، بل على تفويض مشروط ومحدود من الشعب.
  • لا أحد يملك التحدث باسم الناس دون تمثيل فعلي، ولا يجوز لأي جهة حيازة القرار دون رقابة مجتمعية مباشرة.
  • كل من يتسلم سلطة تنفيذية، أو تشريعية، أو قضائية، هو وكيل لا مالك، ويُحاسَب أمام مصدر الشرعية.

ثانيًا: من الولاء إلى الحقوق

  • المواطنة لا تُقاس بالولاء، بل بالمساواة في الحقوق والواجبات.
  • لا يُكافأ المواطن على طاعته، ولا يُعاقب على رأيه.
  • على الدولة أن تُقدّم نفسها كضامن للكرامة، لا كمتسلط باسم الوطنية.
  • قاعدة “الامتيازات مقابل الولاء” يجب أن تُستبدل بمنطق “الحقوق مقابل الشراكة”.

ثالثًا: من الطاعة إلى المحاسبة

  • الشعب هو الطرف الأعلى في العلاقة، والمؤسسات هي أدواته، لا سلطة فوقه.
  • لا تُعتبر الطاعة قيمة عليا، بل تصبح خطرًا إذا فُرضت دون حق الاعتراض والمساءلة.
  • الاعتراض، والاحتجاج، والنقد، هي أدوات تعاقدية أساسية، لا تهم تُجرَّم.
  • المراجعة الدورية لأداء الدولة هي جزء من حق الشعب في صيانة العقد الجمهوري.

رابعًا: من الدولة كغاية إلى الدولة كوسيلة

  • الدولة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لحماية الإنسان وتمكينه.
  • حين تُضحَّى الحقوق باسم بقاء الدولة، تتحوّل الوطنية إلى قناعٍ للاستبداد.
  • لا مصلحة وطنية تتجاوز كرامة المواطن.
  • لا وحدة تُبنى على محو التعدد، ولا استقرار يُفرَض على حساب حرية التعبير والمشاركة.

خاتمة الفصل

 هذا الفصل يُعيد ترتيب العلاقة التأسيسية بين الشعب والدولة: فالدولة، مهما بلغت من شرعية دستورية، لا تملك شرعية أخلاقية إن لم تكن خادمة لهذا العقد.

وفي كل مرة تنسى فيها الدولة أنها وُجدت لتُخدَم لا لتُعبَد، تعود إلى منطق السيطرة. وفي كل مرة ينسى فيها الشعب أنه مصدر السيادة، يسقط في منطق الطاعة العمياء.

ولمنع هذا الانحراف، ننتقل إلى الفصل التالي الذي يُبيّن كيف نُحصّن هذا التعاقد من التآكل؟ وكيف نُبقيه حيًا ومتجددًا؟ من خلال وضع معايير الاستدامة النهضوية التي تمنع المشروع من التحوّل إلى مجرد سلطة جديدة بوجه مختلف.