web analytics
القسم الثاني عشر – الباب الثالث

الفصل الخامس عشر العلاقة مع دول الخليج

من التنافس إلى التكامل الاقتصادي

تمهيد:

اتسمت العلاقة بين سوريا ودول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت، بمراحل متباينة من التقارب والقطيعة، غالبًا وفق حسابات النظام السابق وتحالفاته المتبدلة، لا على أسس مصلحة وطنية مستقرة أو شراكة استراتيجية واضحة.

وقد تحوّلت هذه العلاقة في السنوات الأخيرة إلى واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا، بعد أن دعمت بعض الدول الخليجية أطرافًا في المعارضة المسلحة، وشاركت في الحصار الدبلوماسي والاقتصادي على النظام، ثم عادت لاحقًا بعض العواصم الخليجية إلى التواصل معه بشكل جزئي، ضمن سياقات أمنية أو إقليمية، لا ضمن مسار سيادي مشترك.

أما في ظل مشروع الدولة السورية الجديدة، فإن العلاقة مع الخليج لا تُبنى على استرضاءٍ سياسي، ولا على تبعيةٍ اقتصادية، بل على إعادة التوازن والتكامل بين سوريا التاريخ والموارد والبشر، والخليج المال والاستثمار والخبرة المؤسسية. ومن هنا، فإن هذا الفصل يعالج العلاقة مع دول الخليج من زوايا استراتيجية شاملة، تخرجها من منطق التصادم أو التوظيف، وتؤسس لشراكة سيادية.

أولًا: السياق التاريخي – دعم سياسي قديم قُطع بتورط النظام في ملفات إقليمية

عرفت العلاقة بين سوريا والخليج محطات من الدعم والتقارب خلال القرن الماضي، خاصة:

في المواقف السياسية الكبرى، كقضية فلسطين.

وفي مشاريع الدعم المالي المحدود في الثمانينيات والتسعينيات.

إلا أن النظام السوري انحاز لاحقًا لمحور إقليمي معادٍ للموقف الخليجي، عبر:

توثيق علاقته مع إيران.

دعم حزب الله، ثم التورط في لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري.

الانحياز لمحور قطر–تركيا ثم العودة لمحور إيران.

هذه السياسات أنهت فرص الشراكة الطبيعية، وأدخلت العلاقة في حالة عداء سياسي وظيفي لا مصلحي.

ثانيًا: مرحلة ما بعد 2011 – من التموضع السياسي إلى القطيعة

مع اندلاع الثورة السورية، دعمت بعض دول الخليج قوى المعارضة، ثم:

استُنزف هذا الدعم بفوضى الفصائل وتناقضات الميدان.

بدأت الإمارات والبحرين والجزء الأكبر من السعودية بالتراجع عن دعم الفصائل المسلحة.

اتخذت قطر وتركيا مسارًا أكثر تصعيدًا وتماهيًا مع بعض التوجهات الإسلامية الراديكالية.

أما النظام، فقد استخدم هذه التدخلات لتبرير ارتمائه الكامل في الحضن الإيراني–الروسي، ما عمّق الشقاق.

ثالثًا: ضرورات بناء علاقة سيادية متوازنة مع الخليج في الدولة الجديدة

في الدولة السورية الجديدة:

لا يمكن العودة إلى تحالفات الاستقواء، ولا الانغلاق عن الخليج.

ولا يمكن بناء العلاقة من بوابة المساعدات أو التنازلات.

بل يجب أن تُعاد صياغة العلاقة على قاعدة:

التكافؤ السياسي واحترام السيادة.

الانفتاح الاقتصادي المشروط بالشفافية والاستقلالية.

تنسيق أمني مشترك على ملفات الإرهاب وتمويله، دون تسليم القرار السوري.

رابعًا: التكامل الاقتصادي – من الاستثمارات المتفرقة إلى شراكة استراتيجية

تمتلك دول الخليج:

فائضًا ماليًا.

خبرة مؤسساتية في التنمية والتخطيط.

شركات كبرى تبحث عن مناطق استثمار آمنة.

وتمتلك سوريا:

موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا.

طاقة بشرية مدرّبة.

حاجة هائلة لإعادة الإعمار وإعادة بناء القطاعات الإنتاجية.

ويُبنى التكامل الاقتصادي عبر:

تأسيس صناديق مشتركة لإعادة الإعمار بشروط السيادة والرقابة.

فتح السوق السوري أمام الاستثمار الخليجي وفق قوانين صارمة تُراعي الجودة، لا الاحتكار.

استثمار الخليجيين من أصل سوري أو المقيمين في الخليج في مشاريع داخل وطنهم، ضمن خطة وطنية منظمة.

خامسًا: البعد السياسي والأمني – من التوظيف المتبادل إلى التنسيق الإقليمي المتزن

كثيرًا ما كانت العلاقة بين النظام ودول الخليج قائمة على التوظيف:

من الطرف الخليجي: لاختراق القرار السوري أو عزله.

ومن الطرف السوري: للابتزاز أو لتحقيق التوازن ضد محور إيران.

أما في الدولة الجديدة:

تُبنى العلاقة على احترام متبادل.

يُمنع استخدام سوريا كساحة تصفية حسابات مع طهران أو أنقرة.

ويُفتح ملف التعاون الأمني على قضايا الإرهاب، الاتجار بالبشر، والتهريب الحدودي.

سادسًا: العلاقة مع كل دولة خليجية كحالة مستقلة – لا خضوع لمنطق المحاور

تُبنى السياسة الخارجية مع الخليج على أساس تفكيك الكتلة لا الخضوع لها، وذلك من خلال:

بناء علاقة مستقلة مع السعودية بوصفها دولة محورية في الإقليم.

تعزيز العلاقة مع الإمارات من بوابة التنمية وإعادة الإعمار.

فتح باب التفاهم الهادئ مع قطر دون الانخراط في تحالفاتها الإيديولوجية.

الحفاظ على علاقة تاريخية رصينة مع الكويت وعُمان ضمن التقاليد السياسية المتوازنة.

سابعًا: احترام الاختلاف السياسي لا يعني العداء – سيادة الدولة فوق الانفعال

الخلاف مع بعض المواقف الخليجية تجاه سوريا لا يجب أن يتحول إلى عداء دائم.

وفي المقابل، لا يجب أن يُمنح أي طرف خليجي القدرة على التدخل في الشأن السوري تحت عنوان الدعم أو الإعمار أو “الاعتدال”.

الدولة الجديدة تحتفظ بسيادتها الكاملة، وتبني علاقاتها الخارجية من موقع الندية، لا الحاجة أو التبعية.

خاتمة الفصل:

لقد كانت العلاقة مع دول الخليج مرآة لاضطراب السياسة السورية، لا لثوابت مصالحها.
أما في مشروع النهضة، فهي علاقة تُبنى لا على الهواجس أو الأوهام،
بل على معادلة سيادية واضحة:
دعم مقابل استقلال، شراكة مقابل تكافؤ، مصالح متبادلة مقابل احترام القرار الوطني.

ليس الخليج ساحة نفوذ، ولا سوريا ساحة نفوذ.
بل كلاهما مجالان حيويان، يُعاد ربطهما، لا بعقلية التمويل، بل برؤية وطنية متحررة، عقلانية، مستقلة.