القسم الرابع عشر – الباب الرابع
الفصل السادس عشر المؤتمرات الوطنية السنوية لمراجعة الأداء
من الحصيلة إلى القرار، ومن الخطاب إلى المراجعة السيادية
مقدمة الفصل
في ختام كل عام سياسي وإداري، وفي بلد مثل سوريا أُرهق بالتجارب المغلقة، والقرارات غير الخاضعة للنقاش، والسياسات التي لا تُراجع، تكتسب المراجعة الشاملة السنوية أهمية مضاعفة، ليس فقط لتقييم ما جرى، بل لإعادة ربط الدولة بالناس، والمسار بالغاية، والقرار بالواقع.
ولهذا، يُقترح في مشروع النهضة عقد مؤتمر وطني سنوي لمراجعة الأداء السيادي العام، لا بصفته مناسبة احتفالية، بل كأعلى نقطة توازن نقدي في الدولة، حيث يُنزع عن السلطة وهم الإنجاز المطلق، وتُستعاد من الشعب شرعيته التقريرية.
إن هذا المؤتمر يُجسّد فكرة الدولة النقدية، التي لا تكتفي بحصيلة رقمية لما نفذته، بل تعود إلى الذات الوطنية في لحظة مراجعة ووقفة ضمير، لتسأل: هل كنا أمناء على ما وعدنا به؟ هل أنجزنا دون أن نخون المعنى؟ هل استمعنا كفاية؟ وهل بقي الإنسان في قلب ما فعلناه؟
أولًا: أهمية المؤتمر في السياق السوري
لا يمكن الحديث عن إصلاح سياسي أو مؤسسي في سوريا دون أن نعترف بأن غياب التقييم الشامل والمتاح علنًا كان أحد الأسباب الجذرية لانفصال الدولة عن مجتمعها، واستمرار السياسات الخاطئة دون رادع.
ولهذا، يشكّل هذا المؤتمر الوطني السنوي:
منصة سياسية وأخلاقية علنية لعرض مكاشفة شاملة.
فرصة لمراجعة المسار، لا فقط عرض النتائج.
أداة لتحفيز السلطات الثلاث على التصحيح الفعلي، لا التبرير المتكرر.
مساحة مجتمعية لاختبار مدى واقعية السياسات وتمثيلها الحقيقي لحاجات السوريين.
وهو، في عمقه، فعل سيادي شعبي يعيد المعنى لسيادة القرار العام.
ثانيًا: البنية التنظيمية للمؤتمر
يعقد المؤتمر مرة واحدة سنويًا في العاصمة أو المدن الكبرى، وتُبث فعالياته علنًا، ويُدار عبر هيئة تنظيمية مستقلة، وتكون عضويته على النحو الآتي:
السلطات التنفيذية العليا (الحكومة)، لتقديم تقاريرها ومرافعاتها.
مجلس النهضة الوطني ومجلس الشعب، لتقديم تقييمهم الرقابي–السياسي.
رؤساء وأعضاء مجالس الرقابة والتقييم التي جرى تفعيلها خلال العام.
ممثلون عن الإعلام الوطني المستقل، والنقابات، والجامعات، والجمعيات الأهلية، والمجالس المحلية.
شخصيات مستقلة فكرية وحقوقية تُمثّل الضمير العمومي.
وتُقسّم جلسات المؤتمر إلى محاور: سياسية، اقتصادية، خدمية، مجتمعية، حقوقية، ثقافية، تقييمية.
ثالثًا: منهجية العمل – من العرض إلى النقاش
لا تقتصر جلسات المؤتمر على العروض الرسمية، بل تُمكّن المشاركين من:
مساءلة علنية لأداء الوزارات والمؤسسات المركزية.
عرض مداخلات نقدية من المجتمع المدني دون رقابة مسبقة.
مناقشة السياسات المعتمدة مقارنة بالتوصيات التي صدرت طيلة العام عن المجالس الرقابية ومنتديات المجتمع المدني.
طرح بدائل واقعية أو تصحيحات مؤسسية تُحوّل لاحقًا إلى خطط تعديل فعلية.
تحديد أولويات العام القادم على قاعدة تشاركية لا قرارات فوقية.
بهذا، يتحول المؤتمر من لحظة خطابية إلى لحظة قرار سيادي جمعي.
رابعًا: النتائج والمخرجات – من الحصيلة إلى التصحيح
تُشكّل مخرجات المؤتمر وثيقة وطنية سنوية تُعرف باسم: “وثيقة التقييم السيادي السنوي“، وتشمل:
ما أُنجز وما تعذّر إنجازه.
الثغرات الهيكلية التي كُشف عنها.
أسماء المؤسسات والمجالات التي استوجبت التدخل الفوري.
مقترحات التعديل الكبرى المرفوعة إلى الجهات التشريعية والتنفيذية.
مؤشرات أداء تُشكّل خط أساس للسنة القادمة.
وتُعد هذه الوثيقة ملزمة سياسيًا وأخلاقيًا، وتُحوّل إلى خطة عمل واقعية لكل أجهزة الدولة.
خامسًا: رمزية المؤتمر – من ثقافة الإنكار إلى ثقافة المساءلة الوطنية
في مجتمع عانى من الإنكار، والكذب السياسي، وتزييف الأرقام، فإن لهذا المؤتمر وظيفة رمزية جوهرية:
إعادة بناء العقد الأخلاقي بين المواطن والدولة.
إثبات أن الحكم لم يعد تفويضًا دائمًا، بل مسؤولية خاضعة للتجديد بالثقة.
تثبيت أن الشعب ليس متلقيًا لما يُقال له، بل شريكًا في ما يُقرَّر باسمه.
ترسيخ ثقافة الختام المسؤول، حيث لا يُطوى العام قبل أن يُراجع، ولا يُفتتح عامٌ جديد قبل تصحيح سابقه.
خاتمة الفصل
المؤتمر الوطني السنوي لمراجعة الأداء هو تتويج سنوي لفلسفة مشروع النهضة كلها: أن الدولة لا تستمد شرعيتها من نصوصها فقط، بل من فعلها، ومن خضوعها الدائم للتقييم، ومن استعدادها للاعتراف والتصحيح.
وهو لحظة مكاشفة شجاعة تقول فيها الدولة لمجتمعها: لقد اجتهدنا، وربما أخطأنا، ونحن مستعدون لأن نُصغي ونُصلح، لا أن نستأثر ونُجمّل.
بهذا، تنغلق دورة التقييم والتعديل والمساءلة على مستوى السنة، لتبدأ دورة جديدة أكثر وعيًا، وأكثر عدالة، وأكثر قربًا من الناس.