web analytics
القسم الثاني عشر – الباب الثالث

الفصل السابع عشر العلاقة مع لبنان وفلسطين

وحدة المصير من منظور وطني

تمهيد:

ربما لا توجد علاقات أكثر تداخلًا وتعقيدًا في الجوار السوري من العلاقة مع لبنان وفلسطين.
فمع لبنان، لا تُختزل العلاقة في الجغرافيا، بل تمتد إلى الاقتصاد، الأمن، المجتمع، والذاكرة التاريخية المشتركة.

ومع فلسطين، لا تُبنى العلاقة فقط على القرب الجغرافي، بل على وحدة القضية، والدم، والتاريخ، والتداخل الشعبي والسياسي الذي لم ينفصل عبر الأزمات.

لكن، في مرحلة الاستبداد، تم تشويه هذه العلاقة في الاتجاهين:

في لبنان، تحوّلت سوريا من شريك استقرار إلى طرف راعٍ للنفوذ الأمني والميليشيوي، وصولًا إلى التحكم بالقرار اللبناني في مراحل مفصلية.

وفي فلسطين، تم احتكار القضية، واستخدامها في شعارات النظام، فيما جرى ضرب الحركة الفلسطينية من الداخل، واللعب على انقسامها، واستخدامها كأداة داخلية وخارجية.

في الدولة السورية الجديدة، لا يُعاد استنساخ هذه الأنماط، بل تُعاد صياغة العلاقة من منطلق الندية، السيادة، وحماية وحدة المصير عبر احترام خصوصية كل طرف. ويُناقش هذا الفصل العلاقة مع كل من لبنان وفلسطين عبر ستة محاور متكاملة:

أولًا: سوريا ولبنان – من الحضور الأمني إلى الجوار المتوازن

لعقود، نظرت دمشق إلى لبنان بوصفه امتدادًا وظيفيًا لسياستها، لا دولة مستقلة ذات قرار.

فُرض الوجود العسكري السوري في لبنان من 1976 إلى 2005، وتحوّلت العلاقة إلى:

وصاية سياسية وأمنية.

تدخل مباشر في الملفات الداخلية اللبنانية.

دعم لقوى بعينها (خصوصًا حزب الله) خارج إطار الدولة اللبنانية.

في الدولة الجديدة:

تُلغى كل ملامح التدخل السابق.

وتُعاد العلاقة مع لبنان بوصفه دولة مستقلة كاملة السيادة.

تُبنى السياسة السورية تجاه لبنان على قاعدة:

التعاون الاقتصادي العابر للحدود.

ضبط ملف اللاجئين.

تحييد سوريا عن التجاذبات اللبنانية الداخلية.

ثانيًا: العلاقة مع حزب الله – من الرعاية غير المشروطة إلى التنظيم السيادي

دعمت سوريا حزب الله في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لكنها في المقابل:

مكّنت الحزب من التحول إلى قوة أمنية–عسكرية تتجاوز الدولة اللبنانية.

سمحت له باستخدام الأراضي السورية لنقل السلاح وإدارة الصراعات الإقليمية.

غضّت الطرف عن ارتباطه الوثيق بإيران، ولو على حساب السيادة السورية.

في سوريا الجديدة:

تُعاد صياغة العلاقة مع حزب الله ضمن حدود القانون والعلاقات الدولية.

يُحظر استخدام الأراضي السورية لأي عمل عسكري خارج إطار الدولة.

وتُربط أي علاقة مع الحزب باحترام السيادة اللبنانية والسورية، ورفض الوصاية المتبادلة.

ثالثًا: الملف الفلسطيني – من استثمار القضية إلى احترام تمثيلها الوطني

استُخدمت القضية الفلسطينية طوال العقود الماضية كأداة:

لتبرير القمع الداخلي (تحت عنوان “الممانعة”).

ولرفض الإصلاح (بحجة الصراع الوجودي).

ولتمكين تيارات تابعة لإيران داخل الفصائل الفلسطينية.

أما في الدولة الجديدة:

يُعاد وضع القضية الفلسطينية ضمن إطارها الحقيقي:

قضية تحرر وطني عادلة.

لا يجوز احتكارها من قبل الأنظمة أو تسييسها لمصالح داخلية.

تُبنى علاقة متوازنة مع السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليًا.

ويُعاد تنظيم العلاقة مع الفصائل ضمن قواعد واضحة، تحترم السيادة وتمنع عسكرة الوجود الفلسطيني داخل سوريا.

رابعًا: حماية الوجود الفلسطيني في سوريا – من التمييز إلى المواطنة الكاملة للحقوق

عاش الفلسطينيون في سوريا لسنوات طويلة كمقيمين بلا جنسية، لكنهم نالوا بعض الحقوق الأساسية.

خلال الحرب:

تم استهداف مخيماتهم (خصوصًا اليرموك).

ووقعوا بين مطرقة النظام وسندان الفصائل.

وتم تجنيد بعضهم في صراعات لا تمثلهم.

في الدولة الجديدة:

يُعاد تعريف الوجود الفلسطيني بوصفه:

ضيفًا مقيمًا محترم الحقوق.

لا يشكّل تهديدًا للسيادة أو وحدة القرار.

ويُضمن لهم:

الحق في الإقامة القانونية، والعمل، والتعليم.

مع احترام خصوصيتهم الوطنية، وعدم استغلالهم سياسيًا.

خامسًا: التكامل الاقتصادي والاجتماعي – من التهريب والتوازي إلى التعاون المنظّم

كان الاقتصاد غير الرسمي بين سوريا ولبنان وفلسطين يشكّل:

مصدر تهريب وسوقًا سوداء.

أداة تمويل للميليشيات.

قناة لتخريب الاقتصاد المحلي.

أما في الدولة الجديدة:

تُنظم العلاقة الاقتصادية عبر:

معابر رسمية فقط.

اتفاقيات جمركية عادلة.

تبادل تجاري يخضع للرقابة والمحاسبة.

كما تُفعَّل البرامج الثقافية والاجتماعية المشتركة:

في مجالات التعليم، التبادل الأكاديمي، المشاريع الشبابية، والإعلام المشترك.

سادسًا: موقع سوريا من القضية الفلسطينية – دعم مبدئي بلا وصاية

تبقى القضية الفلسطينية قضية مركزية في الوجدان السوري.

لكن دعمها لا يعني:

التدخل في القرار الفلسطيني.

السماح للفصائل بأن تتحوّل إلى أدوات داخل الدولة السورية.

الدخول في مواجهات إقليمية خارج الإرادة الشعبية السورية.

الدولة السورية الجديدة:

تدعم فلسطين في المحافل الدولية.

ترفض الاحتلال وتدعو لإنهائه بكل الوسائل الشرعية.

وتطرح رؤيتها من موقع دولة مستقلة، لا أداة في يد أي محور.

خاتمة الفصل:

بين سوريا ولبنان وفلسطين،
لا تفصل الجغرافيا، ولا تُمحى الذاكرة، ولا يُلغى المصير المشترك.
لكن في الدولة السورية الجديدة، لا تعني هذه الروابط استمرار الهيمنة، ولا تبرر التداخل المخرّب.

بل تُبنى العلاقات على قاعدة:
المحبة بلا وصاية،
الدعم بلا اختراق،
الشراكة بلا إلغاء للخصوصية.

بهذا، تخرج سوريا من إرث الهيمنة، لتعود إلى جوارها الطبيعي… لا بوصفها قوة فوق الجميع، بل دولة بين الدول،
تحترم وتُحترم.