web analytics
القسم السادس عشر – الباب الثالث

الفصل السابع عشر القيادة الدبلوماسية المؤقتة

الصوت الخارجي للدولة

مقدمة الفصل
في اللحظات المفصلية من عمر الدول، لا يقتصر الفعل السياسي على الداخل وحده. بل تحتاج الدولة الوليدة إلى خطاب خارجي سيادي، يُعرّف العالم بها، ويُدافع عن شرعيتها، ويُؤسّس لعلاقات دولية تقوم على الاحترام والاعتراف والمصلحة المتبادلة.

وفي سوريا الجديدة، لا يمكن إهمال الدبلوماسية أو اعتبارها تأجيلها. فهي ركن أساسي في تثبيت الهوية السيادية، وبناء التحالفات، وكسب الاعتراف التدريجي بالدولة النهضوية القادمة. ولهذا، تُصبح القيادة الدبلوماسية المؤقتة صوت الدولة في الخارج، والمدافع الأول عن خياراتها التحررية ومشروعها السياسي.

أولًا: تعيين ممثلين دبلوماسيين مرحليين

  • تُنشئ الحكومة الانتقالية “مفوضية العلاقات الخارجية المؤقتة” باعتبارها الجهة السيادية المعنية بتسيير الملف الخارجي، تعمل تحت إشراف مجلس السيادة الوطني.
  • يتم تعيين ممثلين دبلوماسيين لسوريا لدى الدول الصديقة، والمنظمات الأممية والإقليمية، وفق المعايير التالية: – الالتزام الكامل بمبادئ الميثاق النهضوي. – التخصص السياسي أو القانوني أو الدبلوماسي، مع سجل نظيف في النزاهة والولاء الوطني. – التوازن الجغرافي والسياسي في التمثيل لضمان صورة وطنية شاملة.
  • تُعتمد خطة توزيع تمثيلي تدريجي تبدأ بالدول الداعمة للانتقال السياسي والجهات الأممية، مع فتح قنوات اتصال غير رسمية في بقية الدول تمهيدًا للاعتراف.
  • يُلزَم كل ممثل بتقديم خطة عمل دورية، وتقرير ربعي يُناقَش ضمن لجنة السياسة الخارجية لمجلس النهضة الوطني.

ثانيًا: بناء السردية السياسية الرسمية منبثقة من الميثاق

  • تُشكّل وحدة “الخطاب السيادي” ضمن المفوضية الخارجية، تتولّى صياغة مواقف الدولة الموحدة تجاه القضايا الأساسية (القضية الفلسطينية، العلاقة مع الجوار، ملف اللاجئين، العدالة الانتقالية، الموقف من النظام السابق…).
  • تُعتمد السردية الرسمية على خمسة ركائز رئيسية: – الدولة المدنية اللاطائفية. – السيادة الوطنية دون وصاية. – احترام حقوق الإنسان والمواثيق الدولية. – رفض الإرهاب والاستبداد بكافة أشكاله. – الانفتاح على التعاون الإقليمي والعالمي ضمن قاعدة المصالح المشتركة.
  • يُمنع الممثلون من تقديم تصريحات شخصية تتناقض مع الخطاب السيادي، وتُفعّل آلية ضبط داخلية من لجنة الانضباط الدبلوماسي.

ثالثًا: الانخراط المرحلي في المنظمات الدولية

  • تُقدَّم طلبات عضوية مراقب أو كاملة في الهيئات الأممية (الأمم المتحدة، اليونسكو، منظمة الصحة العالمية، برنامج الغذاء العالمي…) بعد تشكيل الوفد الدائم لسوريا الجديدة.
  • تُحدَّد أولويات الانخراط وفق ثلاثة معايير: – المردود السيادي والاعتباري. – الدعم الفني والتنموي الممكن. – دعم مسار العدالة الانتقالية والاستحقاقات القانونية.
  • تُطلق حملة دولية تحت عنوان: “سوريا الجديدة، شريك في الأمن والسلام”، تُدار عبر منصات إعلامية وحقوقية وقانونية، وتركز على سردية الشعب لا النظام.
  • يُعقد “مؤتمر أصدقاء النهضة السورية” في العام الأول، بدعوة من الحكومة الانتقالية وبشراكة مع الشتات والمجتمع المدني، بهدف بناء شبكة دعم دولي استراتيجية.

رابعًا: ضمان الاعتراف التدريجي بشرعية الدولة الجديدة

  • الاعتراف ليس حدثًا آنيًا، بل مسار سياسي وأخلاقي متكامل، ويتطلب: – الاستقرار الداخلي وإثبات الأداء المؤسساتي. – خطاب خارجي موحد ومتماسك. – خلق روافع تحالف دبلوماسي وإعلامي ومدني من خارج الدولة نفسها.
  • تُنسَّق زيارات رسمية من وفود مدنية وسياسية إلى العواصم المؤثرة، وتُقدَّم وثائق الميثاق، وخطط المرحلة الانتقالية، وأدلة الالتزام بالمبادئ الكونية.
  • يُعتمد نموذج “الاعتراف المجزّأ” بوصفه وسيلة للحصول على شرعيات وظيفية (شرعية الإغاثة، شرعية التمثيل القانوني، شرعية الوثائق، شرعية التفاوض…) حتى بلوغ الاعتراف الكامل.
  • تُفعَّل أدوات التأييد البرلماني في دول الشتات عبر لوبيات سياسية ومواطنية، لبناء رأي عام ضاغط على صناع القرار الخارجيين.

خامسًا: الضمانات المؤسسية لضبط الملف الدبلوماسي

  • كل اتفاق أو التزام دولي يُبرَم خلال المرحلة الانتقالية يجب أن يخضع لرقابة مجلس النهضة الوطني، ويُراجع دوريًا لضمان عدم المساس بالسيادة أو الانحراف عن المبادئ.
  • تُؤسَّس “هيئة الرقابة على التمثيل الخارجي” مهمتها تقييم أداء الممثلين، والتحقيق في أي خروقات أو مخالفات أو فساد.
  • تُصدر المفوضية الخارجية تقريرًا نصف سنوي يُعرَض على الشعب، يتضمن خريطة الإنجاز، والمعوقات، والمواقف الدولية تجاه الدولة الجديدة.
  • يُمنع التوقيع على اتفاقيات أمنية أو عسكرية أو اقتصادية استراتيجية طويلة الأمد دون مصادقة شعبية أو دستورية.

خاتمة الفصل

الدبلوماسية ليست مجرد مهمة وظيفية لنخب السياسة، بل هي اليوم سلاح سيادي في معركة الاعتراف والكرامة والاستقلال. وفي سوريا الجديدة، يجب أن يكون الخارج امتدادًا لصوت الناس لا واجهة للوصاية عليهم.

فمن هنا، ومن أول خطاب يُقدَّم، ومن أول ممثل يُعيَّن، تبدأ الدولة بإعلان نفسها للعالم: دولة شعب، لا دولة نظام.

دولة تؤمن أن الشرعية تُنتَج في الداخل، ويُحمى معناها بالخارج، لا العكس. والفشل في هذا الملف لا يعني فقط خسارة مقعد دبلوماسي، بل تأخر ولادة الدولة نفسها في نظر العالم.