القسم الرابع عشر – الباب الرابع
الفصل الثامن عشر الرقابة العابرة للدورات
ضمان المحاسبة بعد انتهاء الولاية
غالبًا ما تُختزل المحاسبة في الدولة التقليدية بمفهوم “المحاسبة أثناء الحكم”، ما يفتح الباب لنجاة المفسدين والمقصرين فور مغادرتهم للمنصب. وفي سوريا ما بعد الاستبداد، لا يمكن القبول بأن تنتهي المسؤولية بانتهاء الولاية، وكأن التاريخ يُمحى مع أول مراسم تسليم واستلام.
لذلك، يُؤسس هذا الفصل لمنظومة رقابة مستمرة لا تنقطع بزوال الصفة الرسمية، تُراقب الأثر لا المظهر، وتحاسب الفعل لا الشخص. وهي رقابة مبنية على ثلاثة محاور:
- هيئة دائمة لمراجعة أداء كل دورة حكومية وتشريعية وتنفيذية بعد انتهائها.
- تقارير مراجعة علنية تُعرض على البرلمان والرأي العام، وتُحفظ في الأرشيف الوطني.
- صلاحيات متابعة قضائية مستقلة تسمح بمساءلة من تسبب بأذى بنيوي أو انحراف وظيفي جسيم.
كما تتضمن هذه المنظومة آلية تعليمية: إذ تتحول دروس الإخفاق إلى محتوى تدريبي للمسؤولين الجدد، وتُبنى ثقافة سياسية ترى في السلطة مسؤولية ممتدة لا لحظة نفوذ.
إن الرقابة العابرة للدورات هي عين التاريخ على الدولة، وهي صمّام السيادة الأخلاقي الذي يحمي من الدورات النسيانية، ويحوّل كل تجربة إلى فرصة للتعلم لا ثغرة للهروب.
من أكبر تحديات الحوكمة في الدول الانتقالية أن تسقط المسؤولية بانتهاء الولاية، وأن يفلت الفاعلون من التقييم الحقيقي بمجرد مغادرتهم للمنصب. ولهذا، تأتي فكرة الرقابة العابرة للدورات بوصفها آلية مؤسساتية لحماية الذاكرة المؤسسية ومنع تراكم الأخطاء بلا محاسبة.
يرتكز هذا الفصل على تأسيس هيئة رقابية عليا دائمة، مستقلة دستوريًا، مهمتها:
- مراجعة أداء كل دورة حكومية أو نيابية أو تنفيذية بعد انتهائها.
- إعداد تقارير مساءلة استراتيجية تُنشر للرأي العام.
- إتاحة آليات قضائية وإدارية للتحقيق اللاحق في القرارات التي تسببت بأضرار جسيمة.
- تنظيم جلسات مراجعة عامة “ما بعد الدورة”، تُعرض فيها المراجعة أمام الشعب.
إن هذه الرقابة لا تسعى للانتقام من المسؤولين، بل لترسيخ منطق الدولة المستمرة، التي لا تُطوى فيها الصفحات السياسية بانتهاء الولاية، بل تُقرأ لتُصحَّح، وتُتعلَّم، وتُحاسَب عليها في ضمير الوطن.