web analytics
القسم الخامس عشر – الباب الرابع

الفصل الثامن عشر الالتزامات السيادية

الضمانات التي تقدّمها الدولة للمجتمع

مقدمة الفصل

في الدولة التي تسعى للنهضة لا تكفي المبادئ المعلنة، فالشعارات وحدها لا تُبني وطنًا.
ما يصنع الفرق هو أن تتحوّل المبادئ إلى التزامات واضحة، ملزمة، وقابلة للمساءلة.
فالمواطن لا يحيا بالتمنيات، بل يحتاج إلى دولة تلتزم، تضمن، وتخضع للفحص الدائم من قبل المجتمع.

في مشروع النهضة، لا تُفهم السيادة بوصفها سلطة فوقية، بل عقدًا تبادليًا بين الدولة والناس، قوامه التزامات لا يجوز الإخلال بها.

وكل إخلال بهذه الالتزامات يُعد انتهاكًا مباشرًا للميثاق، ومساسًا بجوهر شرعية الحكم.

أولًا: الالتزامات المرتبطة بالحرية والحقوق الأساسية

  • تلتزم الدولة بضمان حرية الرأي والتعبير، والاعتقاد، والتنظيم السلمي، دون قيود تعسفية، وفي إطار قانوني عادل يوازن بين الحرية والمسؤولية.
  • تضمن الدولة المساواة الكاملة أمام القانون، والحق في العدالة، والتمثيل السياسي، والمعاملة الكريمة لكل مواطن دون تمييز.
  • تُجرّم الدولة الوصاية على الضمير أو الجسد أو الهوية، وتكفل لكل فرد حرية الاختيار في ما لا يُلحق ضررًا بالغير أو بالنظام العام.
  • تحمي الدولة حرية الإعلام، وتكفل استقلاله بوصفه سلطة رقابية لا ملحقًا دعائيًا للسلطة التنفيذية.

ثانيًا: الالتزامات الاجتماعيةالاقتصادية

  • تقرّ الدولة أن الغذاء، والصحة، والسكن، والتعليم حقوق أساسية غير قابلة للمساومة، وليست خدمات مؤقتة.
  • تُسخّر الدولة مواردها لإعادة توزيع الثروة بعدالة، وتفكيك البُنى الريعية والاحتكارية التي كانت مصدرًا للتسلط والإقصاء.
  • تُلزم الدولة نفسها بخطط مستدامة لحماية الفئات المهمشة، وذوي الإعاقة، وضحايا الحرب، واللاجئين العائدين.
  • تُعيد الدولة الاعتبار للمجتمعات المهمشة، من خلال تنمية متوازنة بين المركز والأطراف، وتوجيه الاستثمار العام لتحقيق التوازن الاجتماعي.

ثالثًا: الالتزامات السيادية والمؤسساتية

  • تلتزم الدولة بعدم تركيز السلطات، وتثبيت مبدأ التوازن والفصل بين السلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية.
  • تعتمد الدولة نظام اللامركزية البنّاءة كإطار تنظيمي دائم، وليس كتنازل مؤقت، مع تمثيل حقيقي للمناطق والمكونات.
  • تُعيد الدولة تعريف الأجهزة الأمنية بوصفها أداة لحماية المجتمع، وتُخضعها لرقابة مدنية وقضائية صارمة.
  • تضمن الدولة استقلال القضاء فعليًا، لا شكليًا، وتوفّر له الحصانة، والموارد، والهيبة التي تُمكّنه من أداء وظيفته بلا خوف.

رابعًا: الالتزامات الوطنية والثقافية والرمزية

  • تعتبر الدولة التعدد الثقافي والديني واللغوي ركيزة من ركائز الهوية الوطنية، لا خطرًا على وحدتها.
  • تلتزم الدولة بالاعتراف الرسمي بالانتهاكات التاريخية، وفتح أرشيف الذاكرة الوطنية، وتأسيس آليات للإنصاف والمصالحة لا للطمس أو النسيان.
  • تُعزز الدولة التنوع الرمزي، وتكفل حرية الفن، والتعبير الجمالي، والتنوع اللغوي بوصفه حقًا جماعيًا وفرديًا.
  • تُجسّد الدولة قيمها لا فقط في سياساتها، بل في صورتها العامة وسلوك مؤسساتها، فتكون عنوانًا للتمكين لا للتسلّط، وللثقة لا للوصاية.

خاتمة الفصل

النهضة لا تقوم على وعود مجرّدة، بل على التزامات قابلة للتنفيذ، والمحاسبة، والتجديد.

وما يُميّز الدولة الجديدة ليس ما تعلنه، بل ما تفي به.

ولهذا، فإن ما ورد في هذا الفصل لا يُمثّل برنامج حكومة، بل عهدًا سياديًا ثابتًا، تلتزم به الدولة أمام المجتمع،
ويُعدّ الإخلال به إعلانًا عن سقوط الشرعية الأخلاقية، ولو استمر الشكل القانوني.

فالدولة التي لا تضمن، لا تُؤتمَن،
والتي لا تلتزم، لا تُطاع،
والتي لا تحمي حقوق الناس، لا يحق لها أن تطلب واجباتهم.