web analytics
القسم الثاني عشر – الباب الرابع

الفصل العشرون الهندسة المؤسسية للتكامل العربي

من الخطاب إلى الأدوات

تمهيد:

لطالما شكّل “التكامل العربي” عنوانًا رئيسيًا في الخطاب السياسي العربي، لكنه ظل حبيس الشعارات والقمم والبيانات المشتركة، دون أن يتحوّل إلى منظومة مؤسسية فاعلة. وقد ساهمت الأنظمة القُطرية، والصراعات البينية، والاستتباع للمحاور الخارجية، في ضرب أي محاولة جادة لتوحيد القدرات، أو بناء سوق عربية مشتركة، أو بلورة موقف سياسي جماعي متماسك.

وفيما كانت سوريا في العقود الماضية جزءًا من هذا الجمود، بل وأحيانًا عنصر تعطيل، فإن الدولة السورية الجديدة، بوصفها مشروعًا سياديًا تحرريًا، لا تُقارب المسألة العربية من منطق الخطابة أو الاستجداء، بل من منطق البناء الواقعي، عبر اقتراح هندسة مؤسسية فعلية للتكامل العربي، تبدأ من المصالح، وتُدار بالأدوات، وتُرسّخ عبر التعاون لا بالشعارات.

ويُقدّم هذا الفصل تصورًا تفصيليًا للانتقال من الحديث عن التكامل إلى صياغته بوصفه استراتيجية عملية قابلة للتنفيذ، عبر خمسة محاور رئيسية:

أولًا: التشخيص الواقعي لعطب البنية العربية المشتركة

عانت البنية المؤسسية العربية من:

ضعف أدوات التنفيذ داخل جامعة الدول العربية.

غياب آلية إلزامية للقرارات.

تضارب السياسات الخارجية والاقتصادية للدول الأعضاء.

استخدام بعض الدول للمؤسسات العربية كأداة لمحاورها لا كمنصة جماعية.

لذا، فإن أي دعوة للتكامل يجب أن تبدأ من الاعتراف بهذه الأعطاب، بدل القفز فوقها.

ثانيًا: مقومات التكامل الفعلي – من الوحدة الأيديولوجية إلى التلاقي السيادي

لم يعد التكامل العربي مشروع وحدة سياسية مركزية، بل:

صيغة مرنة لتجميع القدرات والمصالح المشتركة.

تقوم على احترام السيادة لا ذوبانها.

وعلى التنسيق لا الاستتباع.

وتستند هذه الصيغة إلى:

هوية لغوية وثقافية جامعة.

مصالح اقتصادية وأمنية متداخلة.

تهديدات مشتركة (الإرهاب، الاحتلال، التدخلات الإقليمية).

حاجات شعبية للعدالة والحرية والتنمية لا تلبيها الأنظمة الفردية.

ثالثًا: المقترح السوري لتفعيل منظومة التكامل العربي

تطرح الدولة السورية الجديدة مقاربة ثلاثية الأبعاد لهندسة التكامل:

البُعد المؤسسي:

تطوير هيكلية جامعة الدول العربية لتشمل:

برلمانًا عربيًا منتخبًا جزئيًا.

محكمة عربية لفض النزاعات.

جهازًا تنفيذيًا بصلاحيات فعلية لتنفيذ السياسات المشتركة.

البُعد الاقتصادي:

تفعيل السوق العربية المشتركة بشكل تدريجي.

إنشاء صندوق عربي موحد للتنمية والاستجابة للكوارث.

توحيد السياسات الزراعية والصناعية على مستوى الإقليم.

فتح خطوط طاقة عربية وشبكات نقل إقليمي تدمج الموارد والأسواق.

البُعد الأمني:

إنشاء غرفة عمليات أمنية عربية مشتركة.

وضع ميثاق ملزم بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.

تأسيس آلية عربية لمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، لا تعتمد على الغرب.

رابعًا: تنشيط الفضاء المدني العربي – من الدولة فقط إلى المجتمع العربي الشريك

التكامل لا يُبنى فقط بين الحكومات، بل أيضًا بين المجتمعات.

ويشمل ذلك:

تأسيس منصات حوار مجتمعي عربية مستقلة.

تمكين الشباب العربي من خلال مؤسسات تبادل معرفي وريادة أعمال.

إطلاق برامج ثقافية وإعلامية وفنية توحّد الوعي الشعبي بعيدًا عن دعايات الأنظمة.

خامسًا: العلاقة بين التكامل العربي والسيادة الوطنية – التوازن لا التنازل

التكامل لا يجب أن يكون على حساب السيادة الوطنية، بل:

يُبنى كتوسعة للسيادة، لا كإلغائها.

ويُدار من منطلق التشارك لا الخضوع.

الدولة السورية الجديدة تطرح مبدأ:

“السيادة المتكافئة في الفضاء العربي”، بحيث لا تهيمن دولة، ولا تُهمّش أخرى.

وتُبنى أي شراكة عربية على قاعدة تبادل المنفعة والاحترام المتبادل، لا على ميزان القوة أو حجم الاقتصاد.

خاتمة الفصل:

ليس التكامل العربي حلمًا مستحيلًا، بل مشروعًا مُمكنًا حين يُدار بالعقل لا بالحماسة، وبالمصلحة لا بالخطاب،
وبالأدوات لا بالبيانات.

وفي الدولة السورية الجديدة، لا يُطرح المشروع العربي بوصفه رد فعل،
ولا هروبًا من الأزمات،
بل بوصفه خيارًا استراتيجيًا لبناء قوة إقليمية مستقلة،
تنتمي لا تحاكي، وتبني لا تُستتبع.

بهذا، تكون سوريا لا مجرد عائدة إلى العرب،
بل عائدة بمشروع.