القسم الخامس عشر – الباب الرابع
الفصل الواحد والعشرون تجديد الشرعية عبر الإنجاز
لا استمرار بلا مراجعة
مقدمة الفصل
في الأنظمة التقليدية، كانت الشرعية تُمنح مرة واحدة: عبر انقلاب، أو انتخاب شكلي، أو إرث أيديولوجي، ثم تُعامل بوصفها حصانة أبدية. لكن في مشروع النهضة، نعيد تعريف الشرعية كعقد متجدد لا صكّ ملكية.
الشرعية لا تُكتسب فقط بطريقة الوصول إلى الحكم، بل بكيفية إدارة الحكم، والوفاء بوعوده، والاستجابة لحاجات الناس، والانضباط بقيم الميثاق.
ولهذا، فإن هذا الفصل لا يطرح مفهوم الشرعية بوصفه إجراءً قانونيًا، بل باعتباره التزامًا حيًا متجدّدًا، يُحاسَب الحاكم عليه كل يوم، لا كل دورة انتخابية فقط.
أولًا: الشرعية كعلاقة ديناميكية لا لحظة تأسيس
- الشرعية تُبنى على الثقة العامة، وتُقاس بعمق الرابط بين الدولة والمجتمع، لا بعمر المؤسسة أو صمود النظام.
- الشرعية تفقد معناها إن تحوّلت إلى غطاء للفشل أو مطية للتمديد.
- الحاكم الذي يصل بآلية شرعية، ثم يُعطّل النقد، أو يُقصي المعارضة، أو يُفرِّغ المؤسسات، يُصبح فاقدًا للشرعية المعنوية مهما ادّعى قانونية وجوده.
ثانيًا: محددات الشرعية في الدولة النهضوية
- الاستمرارية مشروطة بالإنجاز: لا ولاية لمن لا يُحدث فارقًا.
- الشرعية تسقط إذا انحرفت السلطة عن المبادئ العليا للميثاق، أو خالفت التزاماتها السيادية أمام الشعب.
- القيم تسبق النتائج: لا يُبرر الإنجاز أي قمع، ولا تُمكّن الفاعلية أي سلطة من تجاوز حدودها الأخلاقية.
- الصندوق وحده لا يكفي: الانتخابات أدوات تجديد، لا غطاءً للاحتكار أو الاستبداد الدوري.
ثالثًا: أدوات تجديد الشرعية
- آليات المساءلة المنتظمة: رقابة برلمانية ومجتمعية وقضائية فاعلة، تُجدد التفويض ولا تكتفي بالثقة الموروثة.
- الاستفتاءات الموجهة حول المسائل السيادية الكبرى: تُمنع الانزلاقات باسم الصلاحية أو الصمت الشعبي.
- مؤشرات أداء قابلة للقياس: في الحريات، العدالة، الاقتصاد، الإدارة، التمثيل، تكشف موقع السلطة من وعودها.
- حدود زمنية للتفويض: لا شرعية طويلة بلا مراجعة، ولا تجديد تلقائي بلا منافسة حقيقية.
رابعًا: العلاقة بين الشرعية والإنجاز في فلسفة النهضة
- لا إنجاز دون قيم، ولا قيم دون أثر.
- الإنجاز الذي يُقصي، أو يُهمّش، أو يُفرغ المعنى من المحتوى، لا يُبرر الاستمرار، بل يُوجِب المراجعة.
- الشرعية تُقاس بقدرة الدولة على ربط وجودها بإرادة الناس لا برغبة السلطة.
خاتمة الفصل
في الدولة النهضوية، الشرعية ليست مظلة بل مرآة، ولا استمرار فيها لمن يستظل بشرعية الأمس ليرتكب فشل اليوم. فما لم يُنجَز يُسقط الحق في البقاء، وما لم يُراجَع يتحوّل إلى استبداد جديد بلغة منمّقة.
الشرعية في مشروع النهضة عقد قابل للتجديد، لا إذن دائم بالإدارة. ومن لا يُثبت أهليته، لا يُمنح استمراره. وهكذا، يُختم الميثاق لا بإغلاق الباب، بل بفتحه نحو أفق مفتوح من المحاسبة، والتجديد، والمسؤولية المستمرة.