web analytics
القسم الثالث عشر – الباب الخامس

الفصل الثاني والعشرون سياسة العلاقات العربية

من العزلة إلى مشروع وحدة سيادية

مقدمة تمهيدية

في السياق العربي، لا تكون السياسة الخارجية مجرد علاقة بين دولتين، بل تكون جزءًا من مصير مشترك، وهوية ممتدة، وسردية وجود تتجاوز الحدود.
وسوريا، بتاريخها وموقعها وتركيبتها، لم تكن يومًا على هامش المشهد العربي، بل كانت — حين تستقيم — إحدى روافعه الحضارية، وحين تنكسر، تصبح مصدر قلقه وانقسامه.

لكن على مدى العقود الماضية، عاشت سوريا بين وهم القيادة وواقع العزلة:

رفعت شعارات القومية، لكنها لم تبنِ تضامنًا عربيًا حقيقيًا،

انخرطت في تحالفات خارج الفضاء العربي،

وساهم النظام الاستبدادي في نسف كل جسر مع المحيط العربي، عبر خطاب تخويني متعالٍ، وسياسات أمنية توسعية، واصطفاف ضمن محاور مهددة للأمن العربي ذاته.

ثم جاءت الحرب، لتعمّق العزلة، وتحوّل سوريا إلى أزمة عربية أكثر منها شريكًا عربيًا.
فغابت دمشق عن القمم، وتفككت علاقاتها مع معظم العواصم، وتحولت ساحتها إلى ملعب لقوى غير عربية، فيما تراجعت سردية الانتماء، وانطفأ مشروع الوحدة، وعمّق العرب ترددهم إزاء التعامل مع الملف السوري.

في مشروع النهضة، لا نعود إلى خطاب شعاراتي وحدوي ساذج، ولا إلى خطاب انعزالي “وطني” مغلق، بل نُعيد بناء سياسة عربية واقعية–سيادية–تعاونية، تنطلق من فكرة أن المجال العربي هو امتداد طبيعي لسوريا، ومسرح مصالحها الكبرى، وسندها في معركة البناء والسيادة والاستقرار.

أولًا: تفكيك العزلة السورية في الإطار العربي

إسقاط النظام السوري لفكرة التشارك العربي

احتقر النظام مفهوم التضامن العربي، وفضّل التحالفات الأمنية العابرة على العلاقات السيادية المتكافئة.

العداء السياسي مع دول عربية محورية

اصطدام دائم مع السعودية، تجاهل مصر، توتر مع الأردن، ارتهان لإيران في ملفات مصيرية.

القطيعة التمثيلية بعد الثورة

انسحاب أو طرد سوريا من جامعة الدول العربية، وتحولها إلى ساحة انقسام بين دول داعمة للنظام وأخرى للمعارضة.

ضعف المبادرة السورية في صياغة رؤية عربية مشتركة

لا مساهمة فعلية في قضايا الأمن العربي، ولا دور في التوازنات الإقليمية، ولا مشاريع تعاون حقيقية في الملفات الاقتصادية أو الثقافية أو الأمنية.

ثانيًا: أهداف السياسة العربية في مشروع النهضة

استعادة سوريا لمكانتها الطبيعية ضمن الفضاء العربي كدولة سيادية فاعلة لا تابعة ولا مُصادِمة.

بناء شبكة تحالفات استراتيجية عربية تقوم على المصالح المشتركة والسيادة المتبادلة.

المساهمة الفعلية في القضايا المصيرية للأمة العربية (فلسطين، الأمن المائي، مكافحة التطرف، الحضور الثقافي العالمي).

فتح المجال للتكامل الاقتصادي والتنموي الإقليمي الذي يدعم استقرار سوريا ويخدم عمقها العربي.

تحصين المجال العربي من الاختراقات الخارجية المتعارضة مع استقلال دوله ووحدته.

ثالثًا: المبادرات التنفيذية المقترحة

إعادة تفعيل عضوية سوريا في جامعة الدول العربية بشروط سيادية واضحة

لا بصفة شكلية، بل بدور فاعل يساهم في تطوير أداء الجامعة نحو تمثيل الشعوب والمصالح لا الأنظمة وحدها.

عقد “قمة عربية–سورية للتكامل الاستراتيجي

مؤتمر يُطلق من دمشق، يجمع الدول العربية الداعمة لاستقلال سوريا، ويؤسّس لمرحلة جديدة من الشراكة.

تأسيس “مجلس شراكة تنموي عربي–سوري

يُعنى بالمشاريع الكبرى في النقل، الزراعة، التعليم، الطاقة، والتقنية، وتكون فيه سوريا مركزًا للتكامل لا عبئًا على محيطها.

تفعيل الدبلوماسية الشعبية والثقافية مع المجتمعات العربية

دعم تبادل الوفود، المبادرات الفنية والعلمية، التواصل بين الجامعات والنقابات والمنظمات المدنية.

وضع سياسة أمنية مشتركة في وجه التدخلات غير العربية

خاصة في ملفات التسلّح، الحدود، شبكات التهريب، والتجنيس غير القانوني، بما يحمي المجال العربي من الانكشاف الاستراتيجي.

تسهيل إقامة السوريين في الدول العربية وتمكينهم من المساهمة التنموية

عبر اتفاقيات ثنائية تضمن الكرامة، والحقوق، والعمل القانوني، وتمنع الاستغلال أو التمييز أو الطرد التعسفي.

إطلاق “المجلس الأعلى للتكامل الثقافي العربي

تشارك فيه سوريا كفاعل في بناء سردية عربية جديدة، تتجاوز الخطاب الرسمي، وتُعيد وصل الشعوب بلغة الوجدان والمعنى.

رابعًا: التحديات التي تواجه إعادة الاندماج

الشكوك المتراكمة لدى دول عربية إزاء مشروع الدولة السورية بعد الأسد.

وجود قوى إقليمية فاعلة (إيران، تركيا، إسرائيل) تعتبر سوريا نقطة نفوذ حصرية لها.

ضعف البنية المؤسسية للإقليم العربي، وانقسام مراكز الثقل بين مشاريع متضاربة.

مخاوف من عودة النفوذ السوري السلبي كما كان في فترات سابقة (لبنان، فلسطين، الخليج).

خامسًا: سوريا العربية لا تعني سوريا التابعة

في مشروع النهضة، لا تُفهم العودة إلى العرب كعودة إلى الاصطفافات، أو كتنازل عن السيادة، بل كخيار استراتيجي للتموضع ضمن فضاء يشبهنا، ويحتوينا، ونحتويه.

نُريد علاقة أفقية، لا رأسية، قائمة على الاحترام المتبادل، والعمل المشترك، والانفتاح الصادق على كل ما يعزز الاستقلال العربي الجماعي.

خاتمة الفصل

لقد آن لسوريا أن تعود إلى عمقها العربي، لا كجثة تنتظر من يدفنها، ولا كورقة تُستثمر، بل كدولةٍ تسعى إلى استعادة ما فُقد من الثقة والدور والانتماء.

فالسيادة لا تُبنى داخل الجدران فقط، بل في الفضاء الإقليمي، ومع الحلفاء الطبيعيين، وفي مشروع عربي جديد، لا يشبه جامعة الأنظمة، بل يشبه أحلام الشعوب.