القسم الثالث عشر الباب الخامس
الفصل الثالث والعشرون السياسة الدفاعية
من الجيش كأداة سلطة إلى مؤسسة حماية وطنية
مقدمة تمهيدية
في الدول السليمة، يكون الجيش حاميًا للحدود، لا حارسًا للسلطة.
وفي سوريا، لم يكن الجيش مؤسسة وطنية بالمعنى الحقيقي، بل ذراعًا أمنية للسلطة الحاكمة، وواجهة أيديولوجية لمشروع استبدادي طويل، حيث تم تجييره لحماية النظام، لا الوطن، وتوظيفه لقمع الداخل، لا ردع الأعداء.
لقد تحوّل الجيش السوري من جيش وطني تأسس بعد الاستقلال، إلى مؤسسة مشوّهة بالولاء، والطائفية، والفساد، ثم تفتّت في الحرب إلى وحدات متصارعة، وميليشيات محلية، وكتل مرتبطة بالخارج، بينما انهارت عقيدة الدفاع، وغابت الاستقلالية، وتشوّهت صورة الجيش في وعي المواطن السوري.
في مشروع النهضة، لا يُعاد إنتاج الجيش على أساس البنية القديمة ذاتها، بل يُعاد تأسيسه بالكامل بوصفه مؤسسة سيادية، احترافية، مدنية–القيادة، واضحة العقيدة، قائمة على حماية الأرض، لا احتلال القرار.
هذا الفصل يُعيد تعريف السياسة الدفاعية بوصفها سياسة حماية وطن، لا تسليح سلطة، ويبني عقيدة جديدة للجيش السوري كأداة من أدوات السيادة، لا من أدوات القمع.
أولًا: تفكيك أزمة المؤسسة العسكرية السورية
احتكار الجيش من قبل السلطة وتحويله إلى أداة حكم داخلي
تم تهميش وظيفته الدفاعية، مقابل تضخيم دوره في حماية النظام، وملاحقة المعارضين، وزجّه في السياسة.
تسييس القيادة وتطييف البنية
تولي المناصب الحساسة في الجيش بناءً على الولاء الأمني والطائفي، لا على الكفاءة والتراتبية المهنية.
تفكك هيكلي خلال الحرب
انشقاقات، انحلال وحدات، نشوء تشكيلات رديفة (جيش الدفاع الوطني، الفيلق الخامس، وغيرها)، وتحول الجيش إلى كيان مشلول.
ارتهان قرار الجيش لقوى خارجية
تدخل إيراني وروسي مباشر في البنية العسكرية والقرارات العملياتية، وفقدان الاستقلالية الاستراتيجية بالكامل.
غياب العقيدة العسكرية الوطنية
لا عقيدة واضحة تُعبر عن هوية الجيش كحامٍ للدستور والشعب والسيادة، بل خطابات مبهمة مشحونة بشعارات قديمة فقدت فعاليتها ومصداقيتها.
ثانيًا: أهداف السياسة الدفاعية في مشروع النهضة
إعادة تأسيس الجيش السوري كقوة سيادية موحدة تحمي الوطن لا السلطة.
تحقيق الفصل التام بين الوظيفة الدفاعية للجيش والمجال السياسي الداخلي.
إنهاء حالة التبعية والارتهان العسكري للخارج.
ضمان حيادية الجيش واحترافيته، وخضوعه الكامل لرقابة مدنية دستورية.
تثبيت عقيدة دفاعية جديدة قائمة على حماية الأرض، والحدود، والشعب، والدستور.
ثالثًا: المبادرات التنفيذية المقترحة
حلّ التشكيلات العسكرية الرديفة وغير النظامية
بما فيها الميليشيات المرتبطة بجهات خارجية، وتسريح كافة التشكيلات الخارجة عن بنية وزارة الدفاع.
تأسيس “المجلس الأعلى للدفاع الوطني“
هيئة سيادية مدنية–عسكرية تُشرف على رسم السياسات الدفاعية، وتخضع لمحاسبة البرلمان، وتضمن بقاء الجيش ضمن حدوده الوظيفية.
إقرار “قانون المؤسسة العسكرية الجديدة“
قانون يعيد تعريف بنية الجيش، هيكلته، وظائفه، حقوقه، وآليات المحاسبة داخله.
إطلاق برنامج “إعادة بناء الجيش الوطني السوري“
يشمل إعادة تأهيل الضباط، إعادة هيكلة الوحدات، وتحديث البنية التنظيمية والعقيدة القتالية، واستيعاب الطاقات المهنية الكفوءة.
إدماج مقاربة النوع والعدالة المجتمعية في التشكيل العسكري
تمكين المواطنين كافة من الانضمام إلى الجيش وفق معيار المواطنة، دون تمييز طائفي أو مناطقي أو سياسي.
تحديث العقيدة القتالية وبناء جيش صغير–ذكي–مرن
جيش دفاعي قادر على حماية الحدود، مواجهة التهديدات اللامتماثلة (إرهاب، حرب سيبرانية، طائرات مسيّرة…)، دون تضخيم عددي بيروقراطي.
إنشاء منظومة رقابة برلمانية وقضائية على المؤسسة العسكرية
للتأكد من التزامها بالوظيفة الدستورية، ومنع عودتها إلى الانخراط في الحياة السياسية أو الاقتصادية أو الإعلامية.
رابعًا: التحديات والعقبات
وجود ميليشيات وقوى مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة.
التغلغل الإيراني–الروسي في بنية القرار العسكري والسيادي.
غياب الثقة المجتمعية بالجيش بعد سنوات من القمع الداخلي والمذابح.
الخوف من صراعات داخل المؤسسة بين بقايا الولاءات القديمة والكوادر الجديدة.
خامسًا: الجيش كرمز سيادة لا كظل للاستبداد
في مشروع النهضة، لا نُريد جيشًا يُخيف الناس، بل جيشًا يحميهم.
لا نُريد جيشًا ينفّذ إرادة الزعيم، بل جيشًا يحرس الإرادة العامة.
ولا نُريد جيشًا يُرفع كرمز للتبجيل، بل كرمز لحماية العقد الاجتماعي، والدستور، والوطن، والسيادة.
خاتمة الفصل
لا نهوض بلا أمن، ولا أمن بلا جيش، ولا جيش بلا عقيدة، ولا عقيدة بلا سيادة.
وفي سوريا، حيث تحوّل السلاح إلى أداة للهيمنة الداخلية، آن أوان إعادة تأسيس القوة ضمن منطق القانون والدستور والمجتمع.
الجيش ليس حاكمًا، ولا تابعًا، بل مؤسسة محترفة، تحمي الجمهورية، وتحفظ السلم، وتردع الخطر، وتقف عند حدود السياسة دون أن تبتلعها.