web analytics
القسم الرابع عشر – الباب الأول

خاتمة الباب الأول

المتابعة المؤسسية والرقابة العامة

لم يكن هذا الباب مجرّد عرض تقني لأدوات الرقابة والمتابعة، بل كان تأسيسًا لبنية سيادية جديدة تعيد ضبط العلاقة بين الدولة والسلطة، بين الفعل التنفيذي والمساءلة، بين الإنجاز والضمير المؤسسي. ففي مشروع النهضة، لا يُبنى الحكم على افتراض الثقة المطلقة، بل على آليات تقييم ومراجعة تضمن ألا تتحول السلطة إلى امتياز، أو القرار إلى ملكية خاصة، أو الإنجاز إلى غطاء لإخفاء الإخفاق.

لقد قدّم هذا الباب مقاربة متكاملة تُحيل المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى أجهزة متوازنة تُراقب بعضها، وتخضع بدورها لرقابة مجتمعية حيّة. وهي مقاربة تُنتج دولة مفتوحة على المراجعة، شفافة في قرارها، قابلة للتصحيح الذاتي، وتُعلن التزامها الكامل بعدم القفز على الناس، بل بالعودة إليهم دومًا بوصفهم مصدر السيادة الحقيقي.

وبهذا، لا تصبح الرقابة عبئًا أو عائقًا أمام العمل، بل ضمانة لاستدامته وفعاليته ونقائه. وتتحول المتابعة إلى أداة للوعي، لا مجرد إجراء روتيني، وتحمل الدولة على عاتقها مهمة مضاعفة: أن تنفّذ، وأن تراجع، وأن تصحّح علنًا لا خفية، بشجاعة لا بمكابرة، وبمسؤولية لا بخوف.

ولأن النهضة الحقيقية لا تكون بدون ضمير، فإن هذا الباب كان التمهيد الضروري للباب التالي، الذي سيُعيد التقييم من ساحة المؤسسات إلى عمق المعنى، إلى التقييم الأخلاقي والنهضوي، حيث تُوزن الأفعال لا فقط بنتائجها، بل بقيمتها، وبما تتركه في وجدان المجتمع من كرامة، وصدق، وإحساس بعدالة الدولة.