التقدمة الرابطة بين القسم الثاني والثالث
الخاتمة: الضمير النقدي كشرط لبقاء المعنى
من لحظة الثورة إلى استمرارية النهضة
لم يكن هذا الفصل ترفًا نظريًا، ولا وقفًا على التحليل الأكاديمي. بل كان إعادة تأسيس للوعي القيمي الذي يجب أن يصاحب مشروع النهضة السوري منذ لحظة الانطلاق وحتى لحظة البناء، بل وما بعدها.
لقد سعينا عبر هذا المسار إلى إعادة تعريف المثالية النقدية، لا كحالة مزاجية، ولا كترف فكري، بل كضرورة بنيوية تؤسس لمشروع دولة لا تعيد إنتاج الاستبداد بوجوه جديدة. فالنقد هنا ليس اعتراضًا خارجيًا، بل مكون داخلي يحرس المعنى من أن يتآكل باسم الواقعية أو الضرورة أو صراع البقاء.
في سياق ما بعد الاستبداد، يكون الخطر الأكبر هو أن يتحول المشروع إلى بيروقراطية خاوية، أو إلى جهاز هيمنة جديد مبرر بشعارات التحرر. ولهذا كانت إعادة تعريف مفاهيم الحاكم، والسلطة، والعدل، والسيادة، والمراجعة الأخلاقية، ضرورة حيوية لا لغوية.
كما أن إضافة محور الاستمرارية الأخلاقية أبرزت أن الثورة الحقيقية لا تقاس بإسقاط النظام القديم فقط، بل بمدى نجاح المشروع في حماية نفسه من الانزلاق الصامت، ومن التحولات البنيوية التي تُفرغ القيم من مضمونها تحت ضغط السياسة اليومية.
لهذا، فإن المثالية النقدية التي نؤسس لها هنا ليست عدواً للواقعية، بل ضميرها الحي. وليست بديلاً عن الفعل السياسي، بل مرشده الأخلاقي. وليست تهديداً للسلطة، بل صمام أمانها الحقيقي من التحلل والسقوط.
وفي ضوء هذا كله، يصبح واضحًا أن مشروع النهضة السوري لا يحتاج فقط إلى موارد، ولا إلى خبرات تقنية، بل إلى عين لا تُغمض عن المساءلة، وعقل لا يتخلى عن المعيار، وضمير لا يساوم على المعنى حتى تحت وطأة الضرورة.
فكل ثورة لم تزرع نقدها داخل بنيتها، ستعيد إنتاج خصمها بطريقة أو بأخرى. وكل مشروع لا يُحاكم ذاته باستمرار، سيتحول مع الزمن إلى نسخة أخرى مما ثار ضده.
لهذا نكتب، ولهذا نؤسس، ولهذا نربط بين الفكرة وبنية الدولة، حتى لا تكون النهضة مجرد شعلة عابرة، بل بناءً حيًّا يصمد بمعاييره، وينهض بضميره، ويستمر بإرادته الواعية، مهما كانت صعوبات الطريق.