القسم الحادي عشر – الباب الرابع
الفصل الرابع والعشرون الواجهة الدبلوماسية للنهضة
بين التمثيل السياسي والمجتمعي
مقدمة تمهيدية
ليست الدبلوماسية في مشروع النهضة مجرّد نشاط رسمي يُمارَس من خلف المكاتب أو في أروقة المؤتمرات، بل هي الوجه الخارجي للدولة السيادية الجديدة، والانعكاس المباشر لقدرتها على التعبير عن مشروعها الحضاري، ومصالحها العليا، وقضيتها العادلة، أمام العالم.
وفي الحالة السورية، حيث اختُزل التمثيل في النظام أو المعارضة، وتلاعبت القوى الخارجية بصورة الدولة والثورة معًا، تصبح مهمة بناء واجهة دبلوماسية تمثيلية حقيقية أحد الشروط البنيوية لترسيخ النهضة بوصفها مشروع دولة لا مشروع سلطة.
أولًا:أزمة التمثيل السوري: من التزوير السلطوي إلى التشظي المعارض
منذ عقود، تم اختطاف التمثيل السوري خارجيًا من خلال:
احتكار النظام للشرعية الدولية الرسمية رغم انهيار شرعيته الفعلية،
فشل المعارضات السياسية في تقديم بديل موحَّد أو رؤية تمثيلية جامعة،
تحوّل بعض المنصات إلى أدوات للممولين، أو إلى مرآة للتجاذبات لا للسيادة،
غياب الصوت الشعبي المستقل عن المشهد الخارجي، رغم أنه صاحب المصلحة الأولى.
والنتيجة كانت:
واجهة دبلوماسية مشوَّشة، هشّة، إما خاضعة أو مُقصاة، بلا سردية موحّدة ولا مؤسسة سيادية جامعة.
ثانيًا: فلسفة التمثيل في مشروع النهضة
التمثيل الخارجي في الدولة الجديدة لا يُبنى على الامتيازات أو الصيغ الشكلية، بل على:
شرعية وطنية حقيقية تنبع من الداخل وتُترجم إلى اعتراف خارجي.
سردية سيادية موحدة تدمج الشعب والمؤسسات في التعبير عن المشروع.
إدماج البُعد المجتمعي والمدني في واجهة الدولة الخارجية، عبر توسيع تعريف التمثيل ليشمل الثقافة، المجتمع المدني، المعرفة، القيم، والإبداع.
تأسيس خطاب متكامل يُعبّر عن سوريا كدولة ناهضة لا كطرف متنازع أو مستجدٍ.
ثالثًا: بناء الواجهة الدبلوماسية: الأطر والمؤسسات
يتطلب بناء هذه الواجهة:
إعادة تأسيس وزارة خارجية سيادية، قائمة على الكفاءة والمهنية والانتماء الوطني، لا المحاصصة أو الولاءات.
إعادة تعريف عمل البعثات والسفارات السورية كأدوات لخدمة المشروع الوطني، لا تمثيل رمزي أو سياسي خامل.
إنشاء هيئة عليا للتمثيل الخارجي تُنسّق بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمغتربين والمراكز المعرفية.
بناء شبكة علاقات مدروسة مع البرلمانات، الجامعات، المراكز البحثية، الإعلام العالمي، والمنظمات الدولية.
إطلاق مشروع متكامل للدبلوماسية العامة (Public Diplomacy)، يعيد تقديم الهوية السورية الجديدة بلغة تستوعب ثقافات العالم لا تتصادم معها.
رابعًا: تمثيل المجتمع لا فقط الدولة
لا يمكن اختزال التمثيل الخارجي في مؤسسات الحكم، بل:
يجب دمج السوريين في المهجر بصفتهم سفراء طبيعيين لقضيتهم وبلدهم،
وتمكينهم من التفاعل مع دولهم المضيفة دون خجل أو انقسام،
ودعم الكفاءات السورية في مختلف المجالات لتكون جزءًا من سردية النهضة عالميًا،
والاستفادة من قوى المجتمع المدني والفكري والفني والإعلامي في دعم صورة الدولة لا بمعزل عنها.
خامسًا: التوازن بين الواقعية والكرامة في التمثيل
التمثيل الخارجي ليس انعزالًا عن موازين القوة، لكنه أيضًا:
لا يُبنى على التنازلات المشروطة من أجل الاعتراف،
ولا على الشعارات الثورية غير القابلة للترجمة السياسية،
بل على مزيج من الواقعية السيادية والكرامة الوطنية، حيث تكون المصالح خاضعة للثوابت، لا العكس.
وهذا يتطلب:
وضوحًا في الخطاب،
ثباتًا في المبادئ،
مرونة في الأدوات،
وتجديدًا دائمًا في أساليب التواصل الدولي.
خاتمة الفصل
إن الواجهة الدبلوماسية للنهضة ليست شكلاً مرافقًا للدولة، بل هي إحدى ركائز بنائها ومصدر مشروعيتها أمام العالم.
ومن خلالها، تُستعاد سوريا إلى الخارطة لا كعبء، بل كصوت له معنى، وكدولة تملك مشروعًا، وكشعب قرر أن يكون فاعلًا لا مستعمَرًا، ممثلًا لا مغيَّبًا، حاضنًا لقيمه لا تابعًا لأجندة أحد.
وهكذا تُصبح الدبلوماسية امتدادًا للسيادة، لا مجرد بروتوكول، وتُصبح صورة سوريا في العالم انعكاسًا لمشروعها الحقيقي: مشروع نهضة تنبع من الداخل وتُعلَن في الخارج بثقة وإرادة وكرامة.