web analytics

 السيادة الاقتصادية والتخطيط الوطني

  مقدمة تحليلية:

لا يمكن لدولةٍ أن تكون حرّة إذا كان اقتصادها مرهونًا، ولا لمواطنٍ أن يكون سيّدًا إذا كانت لقمة عيشه خاضعة لمزاج الدائنين أو المانحين.

وفي سوريا، لم تكن “السيادة” شعارًا فارغًا فقط، بل كانت أكثر الكلمات تزويرًا: إذ كانت السلطة تتغنى بها، بينما تبيع القرار المالي، وتُقايض الموارد، وتُسخّر التخطيط لخدمة الولاء والطاعة.

وفي مشروع النهضة، تستعيد السيادة معناها الحقيقي، حين تُصبح قرارًا نابعًا من الناس، وعائدًا لصالحهم، ومُعبّرًا عن حاجاتهم لا عن مصالح المتنفّذين.

ولهذا، فإن السيادة الاقتصادية والتخطيط الوطني يُشكّلان حجر الأساس لبناء دولة عادلة ومستقلة، تملك قرارها وتمتلك أدواتها.

 أولًا: تآكل السيادة الاقتصادية في الدولة السابقة

  1. تحوّل القرار الاقتصادي إلى قرار أمني أو رئاسي مغلق، لا يخضع لمؤسسات تمثيلية أو رقابية.
  2. ارتهان الدولة للمساعدات الخارجية دون شروط وطنية واضحة، مما عطّل الإنتاج، وأدمَن الاستيراد.
  3. إضعاف المؤسسات التخطيطية الوطنية (مثل هيئة التخطيط، المكتب المركزي للإحصاء…) وتحويلها إلى أدوات تجميل للقرارات الجاهزة.
  4. تضخيم الدَّين العام الداخلي والخارجي بلا قدرة حقيقية على السداد أو المحاسبة.
  5. فصل التخطيط عن التنمية، بحيث باتت المشاريع الكبرى تُمنح بالمحسوبيات، لا بالاحتياجات.

  ثانيًا: مفهوم السيادة الاقتصادية

السيادة الاقتصادية لا تعني الانعزال، بل تعني:

امتلاك القرار بشأن الموارد، والموازنة، والسياسات المالية والضريبية، والتخطيط التنموي، دون خضوع للإملاءات الخارجية أو الفرض الداخلي من السلطة.

وتتجلى السيادة الاقتصادية في:

  1. وضع موازنة وطنية تعبّر عن الأولويات الحقيقية لا عن الامتيازات السلطوية.
  2. التحكم بالمصادر الاستراتيجية (النفط، الماء، الزراعة، المعادن) كأصول وطنية غير قابلة للخصخصة السياسية.
  3. امتلاك نظام ضريبي عادل، سيادي، لا يسمح بتسرب الموارد أو تهريبها.
  4. ضمان ألا يكون التمويل الخارجي مدخلًا للتدخل السياسي أو التقسيم الجغرافي.

 ثالثًا: التخطيط الوطني كأداة للسيادة

في الدولة النهضوية، التخطيط ليس تقنيًا بل سياسي–أخلاقي–مؤسسي.
وهو يعني:

  1. وجود جهاز وطني مستقل للتخطيط، لا يخضع للحزب أو الأجهزة.
  2. رسم استراتيجيات اقتصادية طويلة المدى (10–15 عامًا) قائمة على بيانات دقيقة وتوقعات علمية.
  3. إشراك الجهات التشريعية والمجالس المحلية في تحديد أولويات الخطط.
  4. ربط الخطة بالموازنة العامة، بحيث لا تكون الشعارات منفصلة عن الإنفاق الحقيقي.
  5. ضمان التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.

  رابعًا: المؤسسات الضرورية لضمان السيادة والتخطيط

  1. هيئة وطنية عليا للتخطيط الاقتصادي، مستقلة إداريًا، خاضعة للرقابة البرلمانية.
  2. مجلس مالي–اقتصادي وطني يُنسق بين المالية والتخطيط والبنك المركزي.
  3. هيئة الشفافية المالية العامة، لضمان الرقابة الشعبية والمؤسسية على كل موارد الدولة ومصارف الإنفاق.
  4. شبكة مراكز أبحاث اقتصادية مستقلة، تُغذي القرار بالمعلومة لا بالإملاء السياسي.

  خامسًا: تحديات ومخاطر غياب السيادة الاقتصادية

  • التبعية للتمويل الخارجي المشروط.
  • خضوع القرار الاقتصادي لقوى الأمر الواقع.
  • تجزئة السوق الوطنية إلى مناطق منفصلة اقتصاديًا.
  • تحكّم أمراء الحرب والميليشيات بالمعابر والإيرادات.
  • غياب الإحصاءات الدقيقة، مما يُفرغ التخطيط من محتواه.

كل هذه التحديات تُضعف قدرة الدولة على تمثيل مجتمعها اقتصاديًا، وتحولها إلى ساعي بريد لسياسات الآخرين.

  سادسًا: شروط استعادة السيادة الاقتصادية

  1. بناء جهاز إحصائي وطني مستقل وموثوق.
  2. وضع موازنة تقوم على المشاركة والشفافية، وتُنشر للرأي العام.
  3. التحول من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي المستدام.
  4. إغلاق منافذ الفساد المالي، وربط الإنفاق بالمحاسبة الدقيقة.
  5. تحصين القرار الوطني من التدخل الدولي المالي عبر معايير وطنية صارمة لقبول التمويل الخارجي.

الخاتمة:

لا سيادة لمن لا يملك قراره الاقتصادي،
ولا كرامة لمجتمعٍ تُحدّد أولوياته بنصيحة صندوق النقد، أو بوصاية متنفّذ.

وفي مشروع النهضة، لا نكتفي بمناهضة الاستبداد السياسي، بل نؤمن أن الاستقلال يبدأ من الخبز، ومن الموازنة، ومن التخطيط العادل.